أميرة صليبيخ

أثناء قراءتي لكتاب الله، توقفت طويلاً في سورة المائدة عند الآية رقم 31 (قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي). كنت كمن يقرؤها للمرة الأولى، لا أعلم تماماً ما الذي جذبني إليها وجعلني أتوقف لأتأمل هول ذلك المشهد الذي غيّر مجرى الإنسانية من بعدها. هل هي لحظة الحسرة والندم التي شعر بها هابيل بعد قتل أخيه؟ أم رغبته في أن يكون مثل الغراب، ولماذا الغراب بالذات من بين جميع المخلوقات؟ هل يمكن أن يكون الغراب قدوة لنا أيضاً في هذا الزمن؟ أو استخدم الله هذا اللفظ كرمز لمعنى آخر؟ علي أن أبحث. لذا وضعت القرآن حينها وبدأت رحلة البحث عن المعنى العميق وراء هذه الآية لأني أعلم أنني سأجد وراءها منجماً من الحِكَم والعِبَر. في لحظة قاتلة من الحسرة والندامة قال قابيل (أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب) كانت هذه الكلمات اعترافاً بالعجز والقصور وقلة الحيلة، كان اعترافاً مشبّعاً بالندم والأسى وجلد الذات، ليس لأنه قَتَلَ أخاه فقط، بل لأنه لم يعرف كيف يتصرّف بجثته ولم يستوعب عواقب فعله.

قد نكون مثل قابيل أيضاً، اختبرنا شعور الحسرة والندم، وبقي طعم المرار في حلوقنا وقلوبنا لأننا لم نتصرّف بالشكل الصحيح المطلوب منا، ولم نوارِ سوءة أخطائنا وعجزنا أن نتعلّم منها. فمسارات الحياة تتقاطع مع أشخاص ومواقف تحمل العديد من الدروس، لكنَّ الكثيرين لا يلتفتون إليها ولا يعيرونها اهتماماً. ربما لأن (أناهم) المتضخمة وغرورهم يمنعهم من الاقتداء بالآخرين، ربما لا يعتبرونها إشارات تحذيرية من الله، ربما لأنهم مغيّبون عن الواقع ولا يملكون الوعي الكافي لتحليل المواقف واستخلاص العبرة منها، على الرغم من أنها أحياناً تكون رسائل من الله يبعثها لنتعلم منها، بالطريقة التي بعث الله بها الغراب في حياة قابيل.

الدروس والحِكَم موجودة في كل الأشياء من حولنا، علينا فقط أن نقف قليلاً عندها لنتأمل. فزميلك في العمل قد يكون هو الغراب الذي ساقه الله لك لتتعلم منه ولا تقع في الخطأ الذي ارتكبه، قد يكون عامل النظافة في الشارع هو الغراب الذي وضعه الله في طريقك حتى تتعلم الرحمة وتتراجع عن بطشك وجبروتك في الناس. قد يكون فشلك في الاختبار هو الغراب الذي سيعينك على بذل المزيد من الجهد للارتقاء بشكل كبير لاحقاً.

الغربان كثيرة من حولنا وقد وضعها الله لتغيّر حياتك للأفضل، ولكن لا يراها إلا من له قلب واعٍ فقط.