في أحد برامج البودكاست التي انتشرت بشكل كبير مؤخراً سأل المذيع رجل أعمال شاب عن ثروته ومجموع ما يملكه من أموال!! بغض النظر عن مدى غرابة السؤال، إلا أن الجواب كان محيراً بالنسبة لي، أجاب الضيف «أنا كتبت ورقة، وتركتها أمانة لدى والدتي تنص الرسالة على أنني بعد موتي، فإن كل ما أملك حتى ثوبي فهو ملك للشركة التي يشاركني فيها أخوتي كلهم بلا استثناء» إجابة اللا إجابة، الضيف جاوب على السؤال بعد وفاته، فقال إن كل ما هو مسجل باسمه سيكون حينها باسم أخوته حتى الثوب الذي يلبس سيكون لهم، لكنه لم يقل ماذا يملك الآن، حسناً هل كان ذلك ذكاءً من الضيف، أو أنه جاوب بعفوية فقط ليثبت أن ما يملكه إنما هو مناصفة مع إخوته؟أليس غريباً كيف أننا نتخلى عن كل ما نملك بعد أن نموت لا قبلها؟ أليس غريباً كيف نظهر وكأننا من ذوي العطاء والأيدي الممدودة لمساعدة الناس فقط عندما نموت؟ فنهب مثلاً ذلك البيت للفقراء والأيتام، ونهب مالنا لبناء المساجد، أو لحفر الآبار في بلاد تعاني من قلة الماء في حياتنا قبل مماتنا؟ أليس غريباً كيف نصبح فجأة كرماء بعد الموت؟ حتى إننا نتجاوز المال لنهب أنفسنا وأجسادنا وأعضاءنا لكل من هو محتاج، فبعد الموت لم نعد في حاجتها.هل أعطينا حقاً أم أننا وهبنا كل ما نملك فقط لأننا لم نعد في حاجة إليه؟ فبعد الموت لم نعد بحاجة للمال ولا للجسد ولا لتلك الأراضي الشاسعة أو القصور، بل نحن حينها بحاجة لما ليس له ثمن وهو الدعاء والصدقات، التي سنضمن بها مغفرة ورحمة ونحن بأمس الحاجة لها، حتى المغفرة والرحمة جعلنا لها ثمناً، في الحقيقة وإن كانت هذه الحقيقة مؤلمة، فإن الإنسان يزهد دائماً فيما هو ليس بحاجته فقط.في حياتنا اليومية نشاهد آلاف المحتاجين، ونراقب بكثب قنوات الأخبار العالمية وهي تنقل لنا بالصوت والصورة كل بلاء وكرب يحدث من حولنا في دول العالم هنا وهناك، لكننا عندما نفكر في مد يد العون لهم نشعر أن كل ما نقدمه، ولو كان بسيطاً فهو عظيم، وإن القليل الذي نعطي هو كثير، بل أننا قدمنا لهم أكثر مما قدم غيرنا، كثيرة هي القصص لأشخاص سكنوا القصور، وكانوا يملكون غيرها العشرات، لكنهم فضلوا أن تبقى خاوية على عروشها على أن يهبوها لبناء مسجد أو مدرسة أو أن يتم التبرع بها لأي عمل خير آخر، لكنهم قبل أن يموتوا فجأة قاموا بكتابة وصية ليتم الانتفاع بها لكل فقراء المنطقة طمعاً لا في إسعادهم إنما طمعاً في دعواتهم لهم بالرحمة والمغفرة.هل الصحيح في العطاء الرغبة الحقيقة في مساعدة المحتاجين أو أن الصحيح هو البحث عن الدعاء؟ هل نساعد الناس حقاً؛ لأننا نريد أن نساعدهم أم أننا نساعدهم لأننا لم نعد بحاجة لما نملك؟ على سبيل المثال لو أن شخصاً يملك أكثر من سيارة وهب أخاه الذي لا يملك سيارة إحداها، فإن عطاءه هذا سيختلف بناءً على السبب الحقيقي الذي جعله يهب أخاه السيارة. فهل فعل ذلك لأنه يريد أن يراه سعيداً؟ أو أنه وهبها إياه؛ لأنه لم يعد بحاجة لها ولأن وجودها في المرآب يشغل حيزاً هو بحاجته لسيارته الجديدة؟ شتان بين السبب الأول والثاني.الخلاصة: الله سبحانه وتعالى حثنا على العطاء والصدقات، وبينت الكثير من الآيات والأحاديث أهمية الصدقات في دفع البلاء، وأنها السبيل الوحيد الذي يستمر فيه عمل المؤمن بعد وفاته، لكننا نغفل كثيراً عن نقطة هي الأهم ماذا فعلت في حياتي الآن؟ كم من العطاء قدمت ولِمَ؟ كم من مسكين ساعدت ولِمَ؟ كم من يد كانت بحاجة ماسة للمساعدة، ومددت لها يدي ولِمَ؟ ليس من الخطأ أن يفكر الإنسان فيما سيشفع له عند الله عندما يموت، لكن تذكر دائماً أن تجود بما تملك الآن، وليس فقط بعد الموت، وإن كان ثوباً ستهبه لأخوتك.