كتبت ـ ولاء الحجاوي:«قضيت عمري أعزب ولو عاد بي الزمان للوراء لاخترت العزوبية» بهذه العفوية يسرد محمد الأنصاري تفاصيل حياته وتجربته مع مركز المحرق للرعاية الاجتماعية، ويُضيف الرجل الستيني «60 عاماً من العزوبية لم تُشعرني بالندم لحظة واحدة». عبدالحسين رجل سبعيني من أهل الدار يختصر تجربته بكلمات «سافرت زوجتي إلى إيران ولم تعد»، ويتابع والحُرقة تقطّع أنفاسه «ابني الوحيد يرقد مريضاً بالمستشفى ولا أستطيع رؤيته».عبدالرحمن بن علي «65 سنة» حكايته مختلفة والنتيجة واحدة يقول «تزوجت بثانية إماراتية فطلقتني زوجتي الأولى وجحدني أبنائي وأودعوني دار الرعاية» ويضيف من بين دموعه «أحلم أن أكحل عيني برؤيتهم قبل أن يسبق القدر وأحمل حفيدي بين ذراعي». 60 عاماً من العزوبيةيقول النزيل محمد علي عبدالله الأنصاري (60 عاماً) «دخلت المركز منذ 3 أعوام و8 أشهر عند تحويلي من مستشفى السلمانية إلى مركز كانو الاجتماعي، حيث بقيت هناك 5 أشهر، ثم تم إرسالي إلى مركز المحرق بسبب حالتي الصحية والاجتماعية وفقاً لما قرره الباحثون بمركز كانو».ويضيف «أشعر بالراحة في هذا المكان، فأنا مقعد ولا أقوى على الحركة، وليس لدي أولاد ولا أسرة، ولا يوجد من يهتم بي ويلبي احتياجاتي، والعاملون بالمركز يوفرون لي كل احتياجاتي، ماذا أحتاج أكثر من ذلك؟ وحتى إذا خرجت من المركز أين أذهب؟».وتابع سرد قصته «لم أندم قط على عدم زواجي، ولم أتمنَ يوماً أن يرجع بي الزمان للخلف لأصحح حالي وأتزوج ليكون لي أنيساً، لأنه وبكل بساطة لا يمكننا أن نرجع بالزمان، لماذا إذاً أُعذّب نفسي في التفكير بما فاتني، ماذا يفيدني الندم حينها؟».وأردف «الأيام كلها تمر سواء في المركز فالأعياد والمناسبات باتت لا تشكل فرقاً بالنسبة لي، أقضي أيامي كلها في قراءة الجرائد، حيث أنتقي الأخبار السارة فقط لأقرأها وأبتعد عن الأخبار الحزينة حتى لا أضايق نفسي، واستمتع بالرحلات التي ينظمها المركز إلى المطاعم والأماكن الترفيهية العامة».ونبه إلى أنه قضى عمره كله يعمل في البناء، حيث عمل في هذا المجال 40 عاماً من سنة 1960 حتى 2000 في البلدية قبل أن يُحال للتقاعد.بلا مأوىإلى جوار محمد الأنصاري جلس أسد فرج «75 عاماً» يروي تجربته «أحب كتابة الأشعار والقراءة، وسعيد بوجودي داخل المركز، فأقاربي يزوروني أسبوعياً، وفي المناسبات لا يتركوني أقضيها بمفردي، لا أحتاج أكثر من ذلك».ومن ناحيتها تقول س.أ «65 سنة» «جئت إلى المركز منذ سنتين و7 أشهر عندما تم تحويلي من مستشفى السلمانية، أنا أرملة وليس لدي أولاد ولا مكان أقيم فيه، أجد راحتي في هذا المكان، ويزورني أخي وأبناؤه أحياناً». مأساة بن عليويروي عبدالرحمن بن علي «65 سنة» قصته بعد أن قضى أصعب أيام حياته داخل المركز بسبب جحود أبنائه وزوجته الأولى «بدأت المأساة عندما تزوجت بثانية إمارتية دون علم زوجتي الأولى وكنت أزورها باستمرار في الإمارات بحجة التجارة ومتطلبات العمل، وفي إحدى الزيارات رآني أحد أقاربي مع زوجتي الإماراتية، وعدت للبحرين ففوجئت بخلو الشقة من أفراد أسرتي، ثم اكتشفت أن ابني البكر أقنع والدته بمغادرة المنزل والسكن في شقة بمدينة حمد». ويتابع سرد القصة «ثم اتجهت زوجتي بتحريض من ابني البكر للمحكمة الشرعية لطلب الطلاق، واستمرت هذه المشكلة قرابة عامين، حتى صدر قرار قضائي بالخلع، ومنذ ذلك الحين وأنا لا أعلم شيئاً عن أبنائي، وغيروا عناوين وأرقام هواتفهم، كي لا أتمكن من الوصول إليهم، وتمكنت إحدى الباحثات بالمركز من الوصول لرقم ابني البكر، واتصلت به وحاولت استعطافه ليزورني لكنها فوجئت بغضبه بسبب اتصالها به وقال لها لا تتصلي بي مرة أخرى وانسي أن لدينا والداً».لا حياة لمن تناديويضيف بن علي «رده صدمني ولم أتوقع منه ذلك، وسبق أن نشرت قصتي في إحدى الجرائد كنت آمل أن أجد رد فعل من أبنائي، ولكني فوجئت بابنتي تقول لي «فضحتنا بهذا المقال وفصختنا ثيابنا».ويكمل «كل ما تمنيته أن أراهم وأنتظرهم في الأعياد والمناسبات علهم يتذكروني ويسامحوني، لكن لا حياة لمن تنادي، مضت على المشكلة 5 سنوات الآن ولم ينسوا، وتمنيت لو أتمكن من حمل حفيدي الذي سمته ابنتي على اسمي، أتمنى أن أراه، حتى إحدى بناتي زوجوها دون علمي ودون موافقتي، حتى اليوم أشعر أني في كابوس أتمنى أن أفيق منه».ويتساءل «كيف يفعل أولادي ذلك؟ كيف قابلوا حبي لهم بهذا الحجود؟»، ويتابع «ليس لي مكان أسكن فيه سوى المركز، فأنا مسن ولي احتياجاتي وحالتي الصحية تتطلب رعاية طبية أولاً بأول، وذهبت لأسكن لدى أخواتي لكني شعرت بأني ضيف ثقيل على أزواجهم، وكرامتي وكبريائي لم يسمحو لي أن أهين نفسي أكثر من ذلك، وزوجتي الإماراتية توفيت منذ 6 أعوام في حادث، فجئت بإرادتي للمركز بعد أن أُقفلت جميع الأبواب بوجهي».سنوات الشوق واللوعةوأضاف بن علي من بين دموعه «دائماً أحمل صورهم معي وبطاقاتهم السكانية هي آخر ما تبقى لي من ذكراهم، واحتفظت بقصاصة المقال الذي نشر في الجريدة، اقرأه وأنظر للصور باستمرار حتى تظل صورهم محفورة بقلبي وعقلي، فمن طول الغياب خشيت أن أنسى ملامح وجوههم التي اشتقت إليها، بدأت أفقد الأمل أن أراهم من جديد وأملي الوحيد أن أراهم ولو لمرة واحدة قبل أن أموت».نفسي.. نفسيأ.م «85 سنة» أرملة دون أولاد قضت في المركز 8 سنوات و6 أشهر، يزورها نادراً أخيها وأولاده تحكي قصتها «كل واحد يقول نفسي نفسي فأقاربي يزوروني مرة كل 3 أشهر، ومن يريد أن يزورني أهلاً وسهلاً، ومن لم يرغب في زيارتي فلا يهمني فالباب يفوت جمل، وأنا والحمد الله سعيدة جداً هنا، والعاملون في المركز يحيطوننا بكافة أنواع الرعاية، وفي العيد أهل الخير يرسلون لنا كسوة العيد، وأحياناً تحضر بعض الفتيات لرسم الحنة لمن يرغب في المركز». ش.ش «65 سنة» قضت في المركز 6 سنوات و5 أشهر، يقيم زوجها في لندن لتلقي العلاج وليس لديها أولاد، يزورها إخوانها وأخواتها في بعض الأحيان، وتقول «الباحثات والعاملون في الدار ينظمون الحفلات والأناشيد الدينية طوال العام، خاصة في مناسبات تنظم فيها احتفالات لها متعتها الخاصة».كتابة الشعرويشير عبدالله خليفة عيسى «بو نبيل» 64 سنة والملقب بشاعر المركز، إلى أن سبب وجوده في المركز يعود لمروره بصعوبات مالية نشأت بعد خلافات زوجية ترتب عليها نفقة ابنته وبدل السكن، ما أدى إلى تراكم الديون عليه، خاصة بعد تقاعده عن العمل من قوة دفاع البحرين مطلع مايو 1993، واضطراره إلى بيع منزله الكائن بمنطقة مدينة عيسى، فاختار أن يقيم في المركز عوضاً على أن يبيت في الشوارع العامة، وبعد دراسة حالته الاجتماعية تم استقباله في المركز منذ 3 سنوات و7 أشهر. ويضيف أنه يقضي أيامه في المركز في كتابة الشعر، فهو يهوى كتابة الشعر منذ الثامنة، وظل يكتب حتى نمت موهبته الشعرية، مشيراً إلى أن الكتابة تخفف عنه أحزانه وتريحه، وتشغل وقته، خاصة أن أبناءه لم يعودوا يزوروه سوى ابنته نادية التي تأتي كل سبت إلى المركز للاطمئنان على صحته.حياة لا تُطاقويتابع بو نبيل أن إقامته في المركز كانت نابعة من إرادته الشخصية، رغم أن الظروف أجبرته على هذا الوضع المؤلم، ويقول «كل ما أتمناه الآن أن أحصل على وحدة سكنية تتضمن غرفتين شاملة المرافق اللازمة حتى إن اضطررت لتحمل تكاليف الإيجار، بت لا أُطيق العيش في المركز لأني لا أنتمي لهذا المكان، أشعر أني الرجل المناسب ولكن في المكان غير المناسب».ذهبت ولم تعدعبدالحسين «70 سنة» يقيم بالمركز منذ أشهر قليلة يقول «جئت المركز عن طريق مستشفى السلمانية وفقاً لظروفي الصحية وكوني لا أجد من يعتني بي، فزوجتي كانت كثيراً ما تسافر إلى إيران لزيارة والدها المريض، وفي إحدى الزيارات سافرت ولم تعد البحرين وتركتني وحيداً، ولي ولد واحد في التأهيل بمستشفى مدينة عيسى لا أراه بسبب حالته الصحية، بينما تأتي أختي لزيارتي، وأحياناً أقضي معها بعض الوقت خارج المركز».
المسنون بدار المحرق.. راحة بال تقطعها الذكريات
29 أكتوبر 2012