كتب - عبدالله الطاهر:توفر التقارير التي يصدرها ديوان الرقابة المالية والإدارية مؤشرات مهمة لقياس مدى الشفافية التي وصلت إليها مملكة البحرين في التعاملات المالية والإدارية بالوزارات والمؤسسات والهيئات الحكومية، الأمر الذي لا يتوفر في العديد من بلدان العالم العربي والإسلامي على وجه الخصوص، رغم أن بعض المراقبين يرون أن تقارير الديوان الأولى شكّلت خطوات متقدمة في مدى الشفافية ولكنها أصبحت فيما بعد تكراراً لذات المخالفات والتجاوزات من ذات المؤسسات والوزارات خاصة في ظل عدم القدرة على ملاحقتها، واستمرار عدم انتهاء مجلس النواب من مناقشة التقارير السابقة حتى الآن.ويشير مراقبون إلى أن عدم توجيه الاتهام إلى أصحاب المخالفات والتجاوزات التي وردت في تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية وبقاء المخالفات دون محاسبة أو إحالة إلى النيابة العامة هو ما ساهم في تكرار تلك المخالفات ومن نفس الجهات من دون إصلاح، ويطالبون بمنح الديوان صلاحيات أكبر فيما يخص إحالة التجاوزات المالية والإدارية إلى النيابة العامة.ويشير الديوان إلى أن دوره في «الرقابة على الأموال العامة وحسن إدارتها أكبر بكثير وأوسع من مجرد الكشف عن المخالفات وضبط المخالفين وتقديمهم للعدالة، إذ إن مساعدة الديوان للجهات الخاضعة لرقابته على أن تدير شؤونها بأسلوب مؤسسي يستند إلى القوانين والإجراءات المنظمة له يعتبر من المهام الأساسية التي تساعد تلك الجهات على تطوير أدائها وسد الثغرات التي تستغل في ارتكاب المخالفات والتلاعب بالأموال العامة».وتسلم حضرة صاحب الجلالة عاهل البلاد المفدى في 21 أكتوبر تقرير الديوان السنوي 2011/2012، من رئيس الديوان حسن الجلاهمة، حيث أكد جلالته «أهمية الحفاظ على المال العام ومراقبة سبل إنفاقه وترشيده، مشيداً بدور ديوان الرقابة المالية والإدارية في أداء هذه المسؤولية على الوجه الأكمل والحفاظ على استقلالية عمله وبما يسهم في تحسين مستوى أداء وزارات الدولة ومؤسساتها تحقيقاً للمصلحة العامة ولما فيه خير الوطن والمواطن».محاسبة المتورطينولاشك أن هذه التقارير شهدت تطورات منذ صدور أول تقرير بعد المرسوم الملكي بإنشاء الديوان في عام 2002، ومع كل تقرير يصدر يظهر مدى التطور في تقنيات الديوان الرقابية آخذاً في الاعتبار المساعي التي يقوم بها العاملون في الديوان وعلى رأسهم رئيسه حسن الجلاهمة لتطوير الأداء وجودة الأساليب المتبعة في المراقبة والتدقيق في عمل الوزارات والمؤسسات والهيئات الحكومية، عبر مواكبة التطورات العالمية في هذا المجال والإطلاع على تجارب الدول الأكثر تقدماً في الرقابة المالية والإدارية.ومع كل هذا هل استطاع ديوان الرقابة المالية والإدارية بالتوازي تطوير قدرته وإمكاناته لملاحقة الوزارات والمؤسسات والهيئات لتطبيق توصياته وملاحظاته؟، وهل هناك قواعد تشريعية تعينه في هذا المسعى؟، غير الحالات التي يصل فيها إلى طريق مسدود فيعبر بها إلى النيابة العامة؟ وحتى هذه ليست أصيله لديه فهي تمر عبر الوزارة أو المؤسسة المعنية وليس عبره.هذه التساؤلات وغيرها من التساؤلات فتحت الباب أمام عدد من منتقدي ديوان الرقابة المالية والإدارية إلى القول إن الديوان يصدر تقاريره دون أن تتم ملاحقة الفاسدين (إن وجدوا)، ويشيرون إلى أن ظاهرة تكرار المخالفات والتجاوزات المالية والإدارية نتيجة طبيعية لإهمال محاسبة المتورطين في التجاوزات على المال العام، فيما يذهب آخرون إلى أن هناك تجاوزات ولا يوجد فاسدين.ليس للديوان سلطات على الوزارات والمؤسسات والهيئات الحكومية أكثر من سلطة أخذ البيانات والمعلومات من الوزارات والمؤسسات والهيئات الحكومية لمراقبة أدائها المالي والإداري حسبما هو منصوص عليه في المرسوم الملكي بإنشاء الديوان.من المشكلات التي تواجه ديوان الرقابة المالية والإدارية كذلك عدم توفيره التقارير لوسائل الإعلام التي تعتبر السلطة الرابعة في الرقابة على أداء الوزارات والمؤسسات والهيئات والمسؤولين على حد سواء، فتمليك المعلومة الصحيحة للرأي العام يلعب دوراً مهماً في تكوين الصورة الذهنية للديوان لدى الرأي العام. إدارة الشؤون بأسلوب مؤسسيوتزامن صدور تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية السنوي الجديد 2011-2012 مع مرور عشر سنوات على إنشاء الديوان في عام 2002، وهو يعتبر تاسع تقرير سنوي يصدره الديوان متضمناً الملاحظات الجوهرية والتوصيات التي توصل إليها من خلال أعمال الرقابة، حيث أنجز 112 مهمة رقابية أصدر خلالها 129 تقريراً حول الرأي المهني للحسابات الختامية للوزارات والجهات الحكومية والحساب الختامي الموحد للدولة وحساب احتياطي الأجيال القادمة، ومدى التزام تلك الجهات بالقوانين واللوائح والأنظمة المعمول بها في الحكومة، ومدى سلامة وكفاءة أنظمة الرقابة الداخلية بها، إضافة إلى التقارير المتعلقة بالرقابة الإدارية ورقابة الأداء.وأسهمت تقارير ديوان الرقابة في تنبيه القائمين على الوزارات والمؤسسات والهيئات الحكومية على أهمية الالتزام بالقوانين واللوائح المنظمة، وأكد ذلك عاهل البلاد المفدى حينما تسلم البيانات المالية المدققة لديوان الرقابة المالية والإدارية للسنة المالية المنتهية في 31 ديسمبر 2011 في شهر مارس الماضي، حيث قال إن «تقارير ديوان الرقابة المالية كان لها دور فاعل في مساعدة الجهات الخاضعة لرقابته على إدارة شؤونها بأسلوب مؤسسي يستند إلى القوانين والأنظمة ومساعدتها على تطوير أدائها، وسد الثغرات التي تستغل في ارتكاب المخالفات والتلاعب بالأموال العامة».ويعمل الديوان على الحفاظ على المال العام لمواصلة عملية التنمية المستدامة في المملكة، والاستقلالية التي يتمتع بها الديوان تعتبر من المتطلبات الأساسية لعمل الديوان والقيام بمهامه على أكمل وجه.وتعود فكرة إنشاء الديوان إلى فترة استقلال البحرين في عام 1971 وفي عام 1974 تم إنشاء وحدة للتدقيق تابعة لإدارة الميزانية، وفي 1984 تم تطوير الوحدة إلى قسم، وفي 1994 تم تطوير القسم إلى إدارة. وحث ميثاق العمل الوطني على ضرورة إنشاء الديوان للرقابة المالية من خلال مبدأ الحرية الاقتصادية، وبعدها صدر قانون بإنشاء جهاز مستقل يسمى ديوان الرقابة المالية وتحقيق الهدف الخاص وهو المحافظة على المال العام الذي يعتبر عصب الدولة. وفي عام 2010 أصدر عاهل البلاد المفدى مرسوماً بشأنِ تعديل بعض أحكام قانون ديوان الرقابة المالية الصادر في 2002، حيث جاء في المادة الأولى من المرسوم بالقانون أنه «تعاد تسمية ديوان الرقابة المالية الواردة بالمرسوم بقانون رقم (16) لسنة 2002 بحيث تصبح ديوان الرقابة المالية والإدارية».