نحن في عام 2025! إن كنت تعتقد أن الأم الحقيقية لكل شخص هي أمه البيولوجية أي تلك التي حملت به تسعة أشهر ثم ولدته، وإن كنت تعتقد أن أباك هو ذلك الأب البيولوجي الذي تحمل اسمه، وإن كنت تعتقد أن عائلتك الحقيقية هي عائلتك البيولوجية التي تحمل شيئاً من ملامحهم وطباعهم وجيناتهم، فأنت لاتزال في مرحلة اكتشاف الوعي وبعيداً للغاية عن سرب تحديثات هذا الزمن وتغيّر واجهة التربية والأمومة والانتساب العائلي الصحيح!

لاحظوا مثلاً الطفل الذي لا يتعدى عمره بضعه أشهر لو أحضرت أمامه شاشة «آيباد» أو جوال وهو يبكي ستجدونه يهدأ وقد يحاول الإمساك به، وقد تلجأ العديد من الأمهات في هذا الزمن إلى إسكات أطفالهم أو إلهائهم بالجوال، فيكبر الطفل بضع سنين وهو لا شيء باستطاعته إلهائه أو إيقافه عن البكاء كما الجوال أو الآيباد الذي بداخله عالم كبير منوع من المعرفة والمعلومات والتسلية، فالإنترنت أو مواقع التواصل الاجتماعي تحديداً باتت تلعب دوراً كبيراً في تغيير الطريقة التربوية الحديثة المتعارف عليها، فقد يكون إلى جانب الأم أو الأب اللذين يربيان، مشهور على مواقع التواصل الاجتماعي يتابعه طفلهما ومتأثر به، ويصدق كل كلمة يقولها له وتترسّخ كقناعة بداخل عقله، وقد يكون هناك برنامج إلكتروني يصدر إلى عقلية طفلهما الكثير من المبادئ والقناعات والآراء وهو جالس على الجوال لمدة لا تقل عن ثلاث ساعات وهي مدة لربما أطول من المدة التي يجالس فيهما أباه وأمه بعد عودته من المدرسة! وقد يكون اليوتيوب بما يحتويه من معلومات دسمة وقصص ومواعظ وتجارب ورسائل توعوية أباً إلكترونياً أو أماً إلكترونية للطفل، وقادر على توجيهه وترسيخ مبادئ بداخله أقوى من الأم والأب البيولوجيَين! بل حتى الألعاب الإلكترونية قد تؤثر في الحالة النفسية والعاطفية للطفل أكثر من تلك التي تشكلها بيئته المنزلية! ومن خلالها قد يندمج الطفل مع مجموعات يكونون بمثابة عائلته الافتراضية.

من الحقائق التي لا يمكن إغفالها أننا نواجه تحديات كبيرة للغاية أمام الأم والأب الافتراضيَين والإلكترونيَين اللذين سحبا البساط من الأم والأب البيولوجييَن للطفل، وقد تكون للطفل عائلة افتراضية يتأثر بها أكثر من عائلته البيولوجية الحقيقية، ولربما هي الأهم لديه منهم! وهؤلاء الافتراضيون باتت لديهم قدرة أكبر على التأثير ورسم ملامح شخصية الطفل وسرقة ساعات طويلة من يومه، بل إن صانعي المحتوى الإلكتروني بعضهم بات هو المربي والمعلم والقدوة، وممن يقودون عقليات الأطفال، ويوجهونهم ويزرعون بداخلهم قناعات ومبادئ تتجذر في شخصياتهم مستقبلاً بشكل أكبر تأثيراً من أولياء أمورهم، وحتى موضوع الطباع والدم والمنبت ومقولة «كلٌّ يرجع إلى أصله» لم تعد تفيد وتلعب دوراً كبيراً مع الأجيال الناشئة حالياً والجيل القادم لنا، وكان الله في العون!