كنتُ قد تطرقتُ في عمودي الأسبوع الماضي إلى المسيرة الإسكانية في البحرين، حين انتقلنا من بيوت العمال في خمسينات القرن الماضي إلى تخصيص ميزانية إسكانية قياسية بلغت 800 مليون دينار. رحلة طويلة ترجمت كل مشروعات البناء، إلى سردية وطنية امتدت على مدى عقود، سطّر فيها الوطن فصولاً من العمل والعطاء، حتى بات السكن اليوم عنواناً للكرامة وركناً من أركان الاستقرار الأسري.
واليوم مع صدور التوجيه الملكي السامي من لدن حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، ببناء 50 ألف وحدة سكنية جديدة، نكون على أعتاب فصل جديد من هذه الحكاية، فصل يمكننا أن نطلق عليه دون مبالغة «الحقبة الذهبية للمشاريع الإسكانية»، ففي عهد جلالة الملك المعظم يأتي هذا التوجيه الملكي السامي الذي يُمثل قفزة نوعية ستعيد رسم الخارطة الإسكانية في المملكة لعقد مقبل على الأقل.
لقد ظل جلالة الملك المعظم، ومنذ توليه مقاليد الحكم، حريصاً على أن يكون السكن اللائق حقاً مكفولاً لا شعاراً مكرراً، وركيزةً أساسية من ركائز التنمية المستدامة.. فالمأوى تعدى كونه مجرد حاجة إنشائية، فهو اليوم أساس وجوهر إنساني تُبنى عليه حياة الأسرة، ويتكوّن من خلاله الانتماء إلى الوطن.. ولعل هذا الحرص الملكي الواضح يتكامل مع الجهود الحثيثة لسمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، الذي حمل توجيه جلالته منذ 2013، ووضعه موضع التنفيذ، حتى اكتمل وعد الـ40 ألف وحدة سكنية، في إنجاز قلّ نظيره على مستوى المنطقة، وفي وقت قياسي مر به العامل بتقلبات اقتصادية كثيرة، إضافة لفترة الجائحة التي جمدت كل العالم.
وها نحن اليوم، ندخل طوراً جديداً من العمل، حيث لم تكد أن تنتهي مرحلة، حتى بدأت أخرى، فقد بادرت وزارة الإسكان والتخطيط العمراني، بقيادة سعادة السيدة آمنة بنت أحمد الرميحي، إلى التحرك السريع لتشكيل فرق عمل مشتركة مع بنك الإسكان، من أجل ترجمة التوجيه الملكي السامي إلى خطة تنفيذية شاملة، تعتمد على استكمال المدن الإسكانية، وتوسيع الشراكة مع القطاع الخاص، وتنويع الحلول التمويلية لضمان الاستجابة الفورية لاحتياجات المواطنين، دون فترات انتظار مرهقة.
وهنا لابد أن نقف أمام مشروع قانون الميزانية العامة للدولة 2025-2026، والذي خصّص الرقم الأعلى في تاريخ البحرين للمشاريع الإسكانية: 800 مليون دينار.. وهي رسالة صريحة بأن حق السكن ليس محل جدل، إنما هو التزام دولة، بل أكثر من ذلك، هو التزام بقيادة تؤمن أن الرفاه الاجتماعي يبدأ من باب البيت.
من مدينة سلمان، إلى مدينة خليفة، ثم شرق سترة وشرق الحد، كل هذه المشاريع تتعدى كونها خرائط ومعاول، بل هي انعكاس مباشر لتوجيهات ملكية سامية اختارت أن تضع الإنسان في قلب المعادلة التنموية. واليوم مع التوجيه الملكي الجديد، تتسع هذه الدائرة لتشمل المزيد من الأسر البحرينية، التي كانت تنتظر فرصتها في بيتٍ يأويها ويمنحها بداية جديدة.
إننا لا نشهد فقط تنفيذ مشروع إسكان، بل نعيش تجسيداً فعلياً للهدف الحادي عشر من أهداف التنمية المستدامة: «جعل المدن والمستوطنات البشرية شاملة وآمنة ومرنة ومستدامة». وها هي البحرين، بقيادتها، تضع هذا الهدف موضع التنفيذ، لا حبر على الورق، بل واقع على الأرض، وفي حياة الناس.
إن كل بيت جديد تُسلَّم مفاتيحه، لهو شهادة جديدة على وعد صادق، وكل وحدة تُبنى، هي سطر آخر يُضاف إلى قصة الإسكان في البحرين، قصة بدأت ببيوت العمال، وها هي اليوم تدخل حقبة ذهبية، يكتب عنوانها جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وتُترجمها حكومةٌ تعمل بإخلاص، ووزيرةٌ تُدير بحكمة، ومواطنون ينتظرون بفرح وامتنان.