تجري هذه الأيام اجتماعات مكثفة بين السلطة التشريعية والحكومة للتنسيق قبل طرح الميزانية العامة من أجل البحث عن سيق توافقية بين السلطتين ممكن أن تساهم أو تساعدنا لحل الأزمة المالية التي نعاني منها .
للتذكير، فإن الدين العام للبحرين بلغ 15.1 مليار دينار، وللعلم فإن الدين العام يستنزف جزءاً كبيراً من ميزانيتنا، وبارتفاع الفوائد فإننا من الصعب أن نصفر ديننا، حتى لو أعطيناهم مليار دينار سنوياً على سبيل المثال.
وللتذكير أيضاً ارتفع العجز الفعلي بين إيرادات ومصروفات الدولة من 186 مليون دينار في العام 2022 إلى 774 مليون دينار في العام 2023 أي بنسبة بلغت 316%، وكلما استطعنا تقليص المصروفات المرتبطة بالدين العام نستطيع تقليص العجز، ولن نضطر للاقتراض، فلن ترتفع فوائد الدين العام.
فالاجتماعات هي للبحث عن مبادرات تساعدنا في حل هذه المعضلات، وبين الفينة والأخرى تظهر تسريبات وتكهنات وإشاعات وووو، حتى ظهرت بالأمس ما سمي بالمبادئ العامة للميزانية، إلا أن الميزانية لم تُطرح بعد.
المطروح من مبادرات ممكن أن تقلص العجز، لكن أثرها على الاقتصاد سلبي جداً.
لذلك -كرأي عام- تلك الاجتماعات ليست تصويتاً إنما هي من باب التنسيق المطلوب فقط، إنما ما ننتظر أن نسمعه هو ما ستقدمه الحكومة بصورة مرسوم بقانون للميزانية العامة، ومن ثم رأي اللجنة المالية فيه وتقريرها، ومن ثم آراء بقية الأعضاء في الغرفتين أثناء المداولة العامة، وأيضاً ما سيتم تداوله بين الناس في مجالسهم ووسائل التواصل الاجتماعي، لتقنعنا الحكومة بوجهة نظرها وبرؤيتها في الكيفية التي سنسدد بها ديننا وعجزنا وانعكاساً على الرؤية المستقبلية لاقتصادنا.
أتمنى من السلطتين أن لا تقيسا نجاحاتهما في تجميع الأصوات المؤيدة للحكومة فقط ولوجهة نظرها، بل أن تقيس السلطتان أداءهما بالانعكاسات لسياستهما على الوضع الاقتصادي، وهذه نقطة يجب أن نتوقف عندها كثيراً، فالمسؤولية ستقع على الاثنين، وسيتحملها الاثنان لا الحكومة فحسب، لذلك لابد أن تكون هناك استعدادات للاستماع وتقبل الاعتراضات وطرح البدائل وأخذ الآثار الجانبية على محمل الجد وأخذها بعين الاعتبار.
بعض المبادرات تبدو معقولة لرفع الإيرادات خاصة تلك المتعلقة برفع الضرائب على السجائر ومشروبات الطاقة، وعلى التلوث البيئي والأثر الكربوني وحتى على أرباح الشركات إنما بضوابط لا تخرجنا من النطاق التنافسي، إنما رفع الدعم عن السلع المدعومة واستبدالها بدعم نقدي محدود ولفئة معينة، فذلك ناقوس خطر لن يجدي نفعاً لا للطبقة ذات الدخل المحدود ولا حتى للطبقة الوسطى، بل آثاره الاقتصادية سلبية كبيرة (لا ننسى رفع الدعم عن الكهرباء على العقارات المؤجرة دفع بمغادرة جزء كبير من المستأجرين وخسف بسوق العقار).
القصة ليست بأن تطرح الحكومة وجهة نظرها وبطريقة (هذا ما أراه وعليكم أن تروا ما أراه فحسب) لابد من أن نأخذ في الاعتبار نتائج الحسابات الختامية للأربع سنوات الأخيرة لنعرف إن كنا نسير على الطريق الصحيح، وأن تطرح الأسئلة العامة التي تتجاوز هل نحن أقرب لتسديد الدين؟ هل نحن نقلص العجز؟ هل نحقق التوازن المالي؟
بل الأهم أن نطرح هذه الأسئلة، ونحن نناقش الميزانية؛ لأنها واحدة من أهم أدواتنا الاقتصادية، فالأهم انعكاس تلك السياسة الاقتصادية على مستوى المعيشة للمواطن؟ هل تقلصت طبقة ذوي الدخل المحدود؟ أم زادت نتيجة سياستنا الاقتصادية؟ هل المبادرات التي تطرح في الميزانية ستساهم في ضبط الأسعار والتضخم؟ كيف هو حال السوق؟ العملة؟ البطالة؟ ما هو حال الطبقة المتوسطة هل هي بخير أم تتقلص؟ هل المقترحات المقدمة تسير ضمن الإطار الدستوري؟ كل تلك المؤشرات لابد أن توضع في الاعتبار قبل أن نقول نعم أو لا؟
وعليه لابد أن يكون النقاش علناً والتوافق فعلاً توافقاً مع الرأي العام. وتلك مسؤولية السلطتين والأهم أن تلك هي التوجهات السامية لجلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه، والتي يؤكد دوماً على أنه لا يفرض شيئاً دون نقاش ودون توافق.