لا غرابة في نقض إسرائيل لهدنة وقف إطلاق النار على غزة، على اعتبار أن إسرائيل لا يعرف عنها حفظها للعهود والمواثيق، أو احترامها لأي اتفاق سلام بينها وبين فلسطين على وجه الخصوص، والشواهد على ذلك كثيرة.

وسيناريو انتهاك إسرائيل لوقف إطلاق النار في غزة كان وارداً جداً، خاصة بعد تعثر مفاوضات الدوحة بشأن إطلاق حركة «حماس» سراح المحتجزين الإسرائيليين لديها، ومنهم من هم مزدوجي الجنسية، خاصة الأمريكية، الأمر الذي جعل من الولايات المتحدة تدخل بقوة في هذه المفاوضات، ولكن بعد هجوم إسرائيل مجدداً على غزة وانتهاكها لهدنة وقف إطلاق النار، فهذا دليل على أن إسرائيل لا تعبأ لأمر المحتجزين، التي تعتبرهم ربما ورقة ضغط تحصل من خلالها على مكاسب أكثر، وإن انتهاكها للهدنة كانت مبيتة لها النوايا، سواء أُطلق سراح المحتجزين أو لا، لذلك تطرقت مفاوضات الدوحة كثيراً إلى ضمانات تقدمها الولايات المتحدة بالذات بشأن عدم عودة إسرائيل للحرب مجدداً، وهو ما لم يحدث.

إن التهور الإسرائيلي قد يدفع رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو إلى مصير مجهول، وتحديداً خسارته لمنصبه مع قرب الانتخابات التشريعية المقررة العام المقبل، بسبب لجوئه لخيار العودة إلى الحرب من جديد، التي أنهكت الإسرائليين كثيراً، وأفقدتهم الإحساس بالأمان، لذلك كانت الحرب الداخلية على نتنياهو مستعرة أيضا، وقد يزيد استعارها مع إصراره على اللجوء إلى «الطريق المختصر»، عبر خرقه للهدنة وإعادة ضربه عزة التي ذهب ضحيتها أكثر من 400 من أهلها في يوم واحد، وهذا ما قد يجعل مصير المحتجزين في خطر بالغ، وبالتالي فإن الضغط من الداخل الإسرائيلي على نتنياهو سوف يكبر، خاصة من قبل عوائل المحتجزين قبل أي حزب سياسي مناهض لنتنياهو، الذي يتبع سياسة الهروب إلى الأمام عبر مواصلته هذه الحرب على غزة.

وعلى ما يبدو من الواقع الحالي، فإن نتنياهو اختار التضحية بـ«المحتجزين»، وأن الولايات المتحدة تدعمه في هذا الشأن، وقد يكون الثمن هنا تهجير ما تبقى من أهالي غزة قسراً، أو التوسع في هذه الحرب لتشمل لاحقاً سوريا ولبنان، مما يعني أن عودة هذه الحرب لأجل أهداف توسعية استعمارية، وبالتالي فإن تغيُر خارطة الشرق الأوسط قد تبدأ من لحظة عودة الحرب على غزة مجدداً.

وقبل تفاقم الأمر ووصولها لنتائج كارثية، فإن جميع الأطراف مطالبة بالعودة إلى الهدنة مرة أخرى، واللجوء مجدداً إلى المفاوضات، ومحاولة طرح المزيد من الخيارات المنطقية تجنباً لحرب كلا الفريقين فيها خاسر، لأن عودة هذه الحرب مجدداً ستؤدي إلى تصعيد خطير يمس أمن المنطقة، ويجرها لمستويات جديدة من العنف والتوتر وعدم الاستقرار.