السلاح المتبقي مع وكلاء إيران في منطقتنا لن يُسلّم للجيوش الوطنية طوعاً إلى أن تنتهي إيران من التفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية، فهذا السلاح هو ورقة إيران الأخيرة للتفاوض، وفي ذات الوقت هو الذريعة لعودة الغارات الإسرائيلية على اليمن وغزة ولبنان وربما العراق.
بتمسّك وكلاء إيران أو ما يسمّى بمحور المقاومة بموقفهم ورفض تسليم السلاح وإبقاء هذا القرار رهناً بكلمة من الجمهورية الإيرانية، فإنهم سينتظرون ما ستُسفر عنه المفاوضات الأمريكية الإيرانية، وحين تصل إيران إلى اتفاق يرضيها مقابل تخليها عما تبقّى من سلاح، فإنها ستفعل ذلك دون تردد.
وعلى الجانب الآخر، فإن الإدارة الترامبية الجديدة لن تبدأ المفاوضات الجدية مع إيران إلى أن تجردها من دفاعاتها المتقدمة وهم الميليشيات في الدول العربية، هذه السياسة مبنية على التخلص من أوراق الضغط قبل الجلوس للتفاوض.
وعليه، فإن الغارات ستستمر على اليمن وغزة ولبنان والعراق إن ظلت الميليشيات تراوغ في تسليم أسلحتها طوعاً، والضحايا سيسقطون ثمناً بانتظار كلمة تخرج من فم المرشد الأعلى لإيران.
فهل نتوقع أن يرأف المرشد بالشعوب العربية في لبنان والعراق واليمن وسوريا في هذه الأيام المباركة من الشهر الفضيل، ويأمر وكلاءه الذين ينكرهم بتسليم السلاح حفاظاً على أرواحهم وعدم التسبب في مزيد من الموت والدمار لهم؟ هل سيتخلى خامنئي عن دفاعات إيران المتقدمة قبل التفاوض من أجل مريديه وأتباعه ومقلديه؟
لا يمكن.. فإيران بدأت للتو بالتعاطي مع الإدارة الأمريكية الجديدة وهي سياسة واضحة جداً جداً فيما يتعلق بمسؤولية إيران عن جميع وكلائها إلى درجة لم يسبق أن صرح بها مسؤول أمريكي، حتى قال ترامب بأن أي هجوم حوثي سنعتبره إيرانياً، ولن نعتبره يمنياً!! في إشارة واضحة بأن المتحكم في جميع الوكلاء هو إيران، وليس أياً من قيادات الميليشيات.
ومن أجل مصلحة إيران التفاوضية سيبقى وكلاؤها في الميدان يناوشون ويهدّدون وجود القوات الأمريكية كما حدث على الحدود اللبنانية السورية، ومن أجل مصلحة إيران سيُطلق حزب الله والحوثي بضعة صواريخ على إسرائيل، إلى أن تبدأ المفاوضات الجدية والفعلية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية حول العديد من الملفات العالقة سواء الملف النووي أو العقوبات، وجميعها ستكون محل نقاش لو جلس الاثنان على الطاولة بشكل مباشر أو عبر وسطاء.
إذ تعتقد إيران أن التحذيرات الأمريكية لم تختبر جديتها بعد، فلم توجّه أي ضربة للأراضي الإيرانية أو لسفنها، ولهذا سيبقى السلاح في يد الميليشيات حتى آخر فرد فيها فداء لمصلحة الجمهورية الإيرانية التفاوضية.
المناورات التي يحاول فيها وكلاء إيران تأخير تسليم الأسلحة لن تنجح، افتعال الصدامات مع الجيش لن يؤدي إلى عودة الأمور على ما كانت عليه، فالتهديدات أصبحت «أمريكية إسرائيلية» معاً بوضوح، بل إن اليمين الإسرائيلي يصفّق فرحاً لعودة الغارات من جديد، هناك تصميم واندفاع -أياً كان الثمن- للتخلص من السلاح الإيراني وميليشياته، لذلك فإن انتظار الكلمة الأخيرة من المرشد هو انتحار مع سبق الإصرار والترصد، ومع الأسف لن يكون انتحاراً فردياً، بل جماعياً يسقط فيه مدنيون لا ذنب لهم.