يذكر السوريون جيداً يوم أبلغ الجنرال غورو رئيس الحكومة السوري المسيحي فارس الخوري أن فرنسا جاءت إلى سوريا لحماية مسيحيي الشرق، ويذكرون جيداً أن رد فارس الخوري كان بأنه قصد الجامع الأموي في يوم جمعة وصعد إلى منبره وقال: إذا كانت فرنسا تدعي أنها احتلت سوريا لحمايتنا، فنحن المسيحيين من المسلمين.. أنا كمسيحي من هذا المنبر أشهد أن لا إله إلا الله. وإن كان النظام سعى منذ بداية الحراك الشعبي والثورة السورية إلى ترسيخ فكرة أنه حامي الأقليات، وحاول زرع الرعب في قلوب المسيحيين كأقلية دينية في سوريا عن طريق اتهام الثوار بـ"التطرف الإسلامي" فإن محاولته الأخيرة في استقطاب المسيحيين تبدو مضحكة. آخر الرشاوى المقدمة لمسيحيي دمشق جاءت عن طريق محافظة دمشق أمس بإعلانها عن البدء بعملية صرف التعويضات المالية للمواطنين عن الأضرار التي لحقت بممتلكاتهم الخاصة غير المؤمن عليها، جراء الأحداث التي نتجت عن أعمال العنف، وليكون المستفيد الأكبر من الدفعة الأولى هم سكان منطقة القصاع المسيحية بنسبة 75% من قيمة المساعدات التي بلغت 40 مليون ليرة سورية أي ما يعادل الـ 50 ألف دولار، وإن كانت نسبة المسيحيين في سوريا حوالي 12% من مجموع السكان، فإن توجيه 75% من التعويضات لحي مسيحي واحد، تصرف اعتبره الكثيرون وقاحة ليست غريبة عن النظام. ولعل توزيع المساعدات لأهل القصاع يمكن أن يصنف في إطار النكتة، إذا ما قورنت أضرار منطقة القصاع بأي منطقة أخرى في دمشق من الميدان إلى المزة، مروراً بكفر سوسة وركن الدين وغيرها. بيان مسيحي يجرم الأسد عندما زار البطريرك الماروني "مار بشارة بطرس الراعي" سوريا قبل أيام، لفت إلى أن "المسيحيين في سوريا لم ولن يقبلوا حمل السلاح في وجه أي كان"، كما عبر الراعي عن اهتمامات المسيحيين السوريين السياسية بقوله: "إن المسيحيين لا يهتمون بالسلطة الحاكمة، فهم لا يقفون مع النظام أو ضد النظام، إنما همهم الأول هو حماية الدولة". وهذا ما اعتبره السوريون موقفاً ضد ثورتهم، ليصبح موقف الشباب المسيحي على المحك بعد أن كادت الثورة السورية تنهي عامها الثاني بمشاركة تبدو خجولة من المسيحيين، فأصدر ما يسمى "مجموعة المسيحيين في تنسيقية المغتربين السوريين لدعم الداخل" بياناً يتبرؤون فيه من كلام البطرك الراعي، ويدينون لقاء البطريرك اليازجي مع الأسد، جاء فيه "نُعلن أن هذه المواقف النذلة التي تبناها رجال الدين المسيحي لا تُعبر عن موقف المسيحيين الأحرار الذين كانوا منذ اليوم الأول بجانب إخوتهم المسلمين، ونحن في سوريا كمسيحيين ومسلمين نقف ضد المجرم بشار وضدّ كل من يقف معه أيا كان، حتى ولو كان رأس الكنيسة". مسيحيون مع الثورة لا يخفى على أحد أن أسماء مسيحية مهمة كانت موجودة على الساحة منذ بداية الثورة من أمثال ميشيل كيلو، وجورج صبرا وفايز سارة، ومي سكاف وفارس الحلو وجهاد عبدو ويارا صبري، ولعل المخرج باسل شحادة والذي أطلق عليه اسم "الشهيد السلفي المسيحي" يعد من أبرز قتلى النظام السوري، بالإضافة إلى الأب الخوري باسيليوس نصار الذي قتل في حماه وهو يُسعف جرحى هناك. وبحسب إحصائيات الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن حوالي الـ63 مسيحياً قتلو بنار النظام السوري، وتم استهداف 18 كنيسة من قبل قوات جيش النظام. أغلبية صامتة يبدو موقف رجال الدين المسيحي من الثورة السورية أقرب إلى الصمت المحايد ومعارضة الثورة منه إلى الوقوف مع الثورة، إذ أنهم- أي رجال الدين- دأبوا على دعم حكم بشار الأسد منذ توليه، للمحافظة على المكاسب أو المكانة الاجتماعية والاقتصادية الذين كانوا يمتلكونها. في الوقت الذي أظهر الشباب المسيحي نقمة على الوضع السياسي بشكل عام، ومع بداية الحراك السلمي للثورة شارك مسيحيون بتلك المظاهرات، ليأتي الرد السوري من النظام على المظاهرات عنيفاً ما دفع بقسم منهم إلى التراجع والاكتفاء بمحاولة الدعم والتأييد عبر وسائل آمنة أكثر. وكانت بداية تشكل الجيش الحر نقطة تحول لدى المسيحيين، إذ أن تشكله قسم المسيحيين إلى مؤيد بالكامل ومعارض بالكامل، وكنسبة وتناسب فإن النسبة الأكبر ذهبت باتجاه التأييد خوفاً من التطرف الغسلامي الذي دأب النظام على إقناعهم به، وللمحافظة على عددهم وحياتهم، ولو كان في المعدل الأدنى. ثوريون ولكن.. تتراوح المشاركة المسيحية في الثورة ما بين تجربة الانخراط الكلي في الثورة، كما فعل المخرج باسل شحادة الذي وقف مع الثورة إلى أقصى الحدود، وكانت النتيجة أنه قتل هناك. لتأتي المشاركة من النوع الثاني بشكل خجول كما هو الحال مع العدد الأكبر من الشباب المسيحي الذين امتنعوا عن الخدمة العسكرية، وقاموا بمساهمات إغاثية كان لها دور فعال داخل سوريا، وخصوصاً الفتيات.
International
نظام الأسد يعوض مسيحيي دمشق عن أضرار العنف في محاولة لرشوتهم
13 فبراير 2013