حق التجمع يعد حقاً أساسياً من حقوق الإنسان المكفولة في المواثيق والاتفاقيات الحقوقية الدولية. وهو على المستوى المحلي مكفول في ميثاق العمل الوطني الصادر في 14 فبراير 2001، وكذلك التعديلات الدستورية الأولى التي تجرى في البلاد في منتصف فبراير 2002. فما هو هذا الحق؟ حق التجمع يشمل إقامة الفعاليات الجماهيرية العامة مثل المسيرات والمظاهرات والاعتصامات، ويشمل أيضاً تشكيل التنظيمات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني بمختلف اتجاهاتها واهتماماتها. حقوق الإنسان المكفولة دستورياً لا يمكن التعامل معها بأنها حقوق منفصلة عن بعضها بعضاً، بل هي حقوق مترابطة ومتداخلة بشكل مركب لا يمكن فصل أحدها عن الأخرى. فعلى سبيل المثال، عندما يقصد بالحديث عن حق التجمع أنه الحق في إقامة المسيرات والتجمعات العامة، يرتبط بالضرورة حق آخر وهو حق وحرية التعبير عن الرأي، فليس منطقياً إقامة مسيرة ما دون أن تحمل شعارات ومطالب ومواقف معينة تعكس آراء المنظمين لها. حق التجمع مكفول في جميع الظروف، ولكن الظروف التي قد يمر بها أي مجتمع تقتضي إعادة النظر في إقامة المزيد من المسيرات. وغالباً ما يتركز السبب في إمكانية أن تؤدي مثل هذه المسيرات إلى الإخلال بالأمن العام والسلم الأهلي، الأمر الذي يتطلب إيقافها لفترة معينة ومؤقتة حتى تكون الظروف موائمة لاستئناف ممارسة هذا الحق. معظم الدساتير الغربية المتقدمة تكفل حق التجمع، ولكنها في الوقت نفسه تسند مسؤولية تنظيم هذا الحق إلى القوانين الوطنية الأخرى، كما هو الحال بالنسبة للوضع في البحرين، حيث يكفل الدستور هذا الحق، ويوجد قانون خاص للمسيرات والتجمعات العامة ينظم الحق نفسه. مملكة البحرين رغم ما شهدته من ظروف منذ الربع الأول من العام 2011 وحتى الآن، إلا أنها لم تمنع المواطنين من ممارسة حقهم وحريتهم في التجمع سواء كان التجمع لأغراض سياسية أو حتى دينية لقناعة سائدة بأن الحق الدستوري يجب احترامه، كما يجب احترام الدستور نفسه والقوانين الوطنية الأخرى. وعلى مدى أكثر من عام ونصف العام سمحت الجهات الرسمية المعنية بالموافقة على إقامة التجمعات العامة، وهي وزارة الداخلية بمعظم طلبات إقامة المسيرات، ولكن اللافت أن المسيرات المخطر عنها والمسموح بإقامتها دائماً ما تنتهي بأعمال تخريب وعنف والتعدي على الأملاك العامة والخاصة واستهداف رجال الأمن. مثل هذه الحالة دفعت الدولة إلى التفكير جدياً في كيفية معالجة حالة التدهور في استخدام هذا الحق الدستوري، لأنه بات يمثل ضرراً بالأمن والسلم الأهلي بسبب أعمال العنف والتخريب غير المبررة الناتجة عنها يوماً بعد آخر. والمعادلة هنا هي كيفية التوفيق بين حق المواطنين في ممارسة حقوقهم الدستورية بالتجمع والتعبير عن الرأي من جهة، وبين التوجه نحو الإيقاف المؤقت لممارسة الحق نفسه. من الأهمية بمكان فهم حقيقة أخرى، وهي أن حقوق الإنسان والحقوق الدستورية لا تتجزأ، وهو ما يعني أنه إذا كانت هناك حقوق قد تحرم المواطنين من التمتع بالحقوق الأخرى فإنه يجب منع ذلك. وبهذه الحقيقة يمكن ملاحظة أن حق التجمع بالممارسات التي كانت تتم خلال الفترة الماضية وتنتهي بالتخريب والتدمير وإتلاف الممتلكات العامة والخاصة كان يؤدي إلى الإخلال بحق الأمن الذي يجب أن يتمتع به المواطنون والمقيمون على السواء. ومتى ما ضاع الأمن يمكن أن تضيع المزيد من الحقوق الدستورية الأخرى، ولذلك يجب التدخل الفوري من الدولة لإيقاف المسيرات من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار وحماية السلم الأهلي في المجتمع.دول كثيرة تلجأ لقرار الوقف المؤقت للمسيرات، فهناك العديد من المسيرات التي تمنع الإدارة الأمريكية إقامتها كما حدث بعد أحداث حركة «احتلوا وول ستريت»، في العام 2011، وكذلك ما حدث في المملكة المتحدة دفع الحكومة إلى إيقاف بعض المسيرات. وأخيراً عندما اندلعت احتجاجات سياسية في العاصمة الفرنسية اضطرت الحكومة للإعلان عن إيقاف المسيرات حتى تعود أجواء الهدوء والأمن إلى مختلف المناطق. كما نلاحظ هنا أن قرار الإيقاف المؤقت للمسيرات حدد إطاراً زمنياً يقوم على الظروف التي اتخذ القرار من أجلها، وهو عودة الأمن والاستقرار التي تملك الجهات الأمنية المعنية السلطة التقديرية لتحديدها. كذلك فإن القرار نفسه لم يوقف أو ينهِ حق التجمع المكفول دستورياً نهائياً، حيث تركز القرار على المسيرات فقط، الأمر الذي لا يعني حرمان المواطنين من حقوقهم في ممارسة النشاط السياسي من خلال الجمعيات، أو تأسيس مؤسسات المجتمع المدني والانخراط في أنشطتها. وأيضاً لم يمنع القرار نفسه المواطنين حقهم الدستوري في التعبير عن الرأي الذي يمكن أن يأخذ أشكالاً ومظاهر متعددة معروفة. قرار وزارة الداخلية بالإيقاف المؤقت للمسيرات جاء لحفظ الأمن والاستقرار وحماية السلم الأهلي في المجتمع البحريني، وهي ضرورة بعد أن أثبتت نتائج العديد من المسيرات خلال الفترة السابقة ضررها الكبير على الأرواح والممتلكات.معهد البحرين للتنمية السياسية للتواصل:infobipd.gov.bh