حين اتصلت بي مديرة المدرسة لم يكن صوتها خافتاً بقدر ما كان مثقلاً بالمسؤولية مدرسة تحت ضغط زيارة قريبة من هيئة جودة التعليم والتدريب، ومع ذلك كان هناك إصرار واضح في كلماتها:«نريد أن نحدث فرقاً... لكننا بحاجة لدعم متخصص».
عندما وصلت بدا المشهد مألوفاً بالنسبة لي: مبانٍ صامدة، معلمون مرهقون، وأداء أكاديمي متذبذب وأصوات تهمس لي «هنا تعب كثير، وحلم ضائع في الزوايا»، الممرات خافتة والطابور الصباحي صامت كما لو أن المدرسة تؤدي بداية يومها بإيقاع روتيني لا يعكس شغف التعلم، ولا يزرع في الطلبة توقعا ليوم مختلف.
وجوه المعلمين تعكس أثر أيام طويلة تمضي دون توقف كأن الزمن لا يمنحهم فرصة لالتقاط أنفاسهم، لكن وسط هذا كله، كنت أرى بصيصاً من الأمل، إمكانيات مهدورة تنتظر من يكتشفها.
بدأت أولاً بالاستماع، كيف يمكن أن تتغير الأمور إذا لم نستمع؟سألت القيادة المدرسية والمعلمين والطلبة عن التحديات التي يواجهونها، كانت إجاباتهم مترددة في البداية،في الأسبوع الأول، كنت أراقب كل شيء كل حركة كل إيماءة، وكل كلمة تقال، ومع كل إجابة كانت تتشكل أمامي خيوط صغيرة ترسم خريطة طريق نحو التطوير.وضعنا خطة عمل تمتد لشهرين لم أكن هناك لألقي محاضرات أو أقدم تعليمات بل لأكون معهم يوماً بيوم ودرساً بعد درس، كنت أعمل على تحسين جوانب صغيرة لأنني أعلم أن التحسينات البسيطة هي البداية الحقيقية للتحول الجذري، فالنجاحات الكبرى تبدأ غالباً من قرارات صغيرة تمت باحتراف.
بدأنا بتشخيص الواقع وجولات وزيارات صفية مكثفة شملت ملاحظة أداء المعلمين، خاصة أولئك الذين يواجهون صعوبات في إدارة الصف أو تحديات في توظيف الاستراتيجيات بفاعلية، كنا نسجل الملاحظات، ثم نتحاور بشفافية في جلسات تنتهي دائماً بخطة تطويرية محددة.كل صف كان له طابعه الخاص، ولكن في كل زيارة كنت أرى كيف يترجم التغيير إلى شيء ملموس. بعض المعلمين كانوا يواجهون صعوبة في ضبط الصفوف أو إدارة الموقف التعليمي، وآخرون كانوا بحاجة إلى دعم نفسي يعيد إليهم ثقتهم. وفي جلسات هادئة أوجههم في مسار تدريجي أعطي الأفكار وأقدم الحلول.
نفذت ورش عمل تدريبية لا تكتفي بنقل المهارات بل تستنهض الهمم، جلسات تفاعلية، تخطيط للدروس، لعب أدوار، وتبادل خبرات لم تكن مجرد لقاءات بل محاضن شغف، جلسات يشعل فيها المعلمون دفاترهم يكتبون يخططون يناقشون، وكأنهم شعراء يعيدون كتابة قصيدة التعليم والتعلم.
كان المعلمون يتفاعلون بشغف مع التوجيهات الجديدة، تحولت الأحاديث من الشكوى إلى المبادرة ومن التردد إلى الإنجاز. بدؤوا يطرحون أفكاراً مبتكرة، وينفذون استراتيجيات تعلم جديدة، حتى إن بعضهم أصبح يتبادل المعرفة مع زملائه، أصبحوا يتحدثون عن تجاربهم ونجاحاتهم، وكل معلم أصبح يسعى لتطوير أدائه استجابة للتحديات الجديدة، هذا التبادل الفعال بين المعلمين خلق بيئة من التعاون والتعلم المشترك، حيث لم يعد هناك شعور بالعزلة أو التردد، كان الأداء يتحسن تدريجياً والتغيير كان أكثر من مجرد تحسين، كان تحولاً في عقلية الفريق بأكمله.ومع تحسن أداء المعلمين بدأت المدرسة تتنفس، الطلبة أصبحوا أكثر تفاعلاً والتزاماً، والطابور الصباحي تحول من روتين صامت إلى مهرجان يومي نابض بالحيوية.
والأهم من ذلك القيادات المدرسية بجميع مستوياتها لم تكن تكتفي بالمتابعة، بل كانت في قلب التجربة، كانت حاضرة في الورش، مشجعة في كل خطوة، مساندة في أصعب اللحظات، كانت تدرك أن التغيير لا يحدث على الورق فقط، بل يتطلب جهداً جماعياً مستمراً.مستشار تربوي في جودة التميز للاستشارات التربوية