أعلن مجلس الوزراء الأسبوع الماضي أن عدد سكان مملكة البحرين بلغ مع نهاية عام 2024 نحو 1,594,654 نسمة.
هذا الرقم يعني أن نسبة الأجانب تقريبياً تشكل أكثر من 53.4% (وهي النسبة المعلنة لإحصائية 2024)، وفي بلد لا تتجاوز مساحته 800 كيلومتر مربع، يفرض تساؤلات جادة حول قدرتنا كدولة على التكيّف مع هذه التركيبة السكانية المعقّدة، من حيث البنية التحتية، والاقتصاد، وفرص العمل، دون أن تنشأ عنها تحديات اجتماعية واقتصادية يصعب احتواؤها.
العمالة الأجنبية أدّت دوراً محورياً في نهضة البحرين خلال العقود الماضية، خاصة في القطاعات الحرفية كالبناء والخدمات، وحتى في مجالات متقدمة كالتقنية والصناعة. غير أن الاعتماد الواسع على الأيدي العاملة الوافدة، لاسيما في الوظائف المتوسطة والعليا، يطرح تساؤلات حول مدى استفادة المواطنين من الفرص المتاحة داخل وطنهم.
حين يشكّل الأجانب أكثر من نصف السكان، فإن سوق العمل المحلي يتعرّض بالضرورة لضغط كبير. هذه النسبة المرتفعة تفتح الباب أمام منافسة غير متوازنة بين المواطن والوافد، خاصة في ظل الفروقات الواضحة في الأجور وتكاليف التوظيف، ما قد ينعكس على الأمن الوظيفي والاجتماعي على المدى البعيد.
شخصياً ما أراه يُنقص المشهد الحالي هو تحليل دقيق للواقع الوظيفي للأجانب، وأعني الحاجة إلى إجابات "بالأرقام" وبشكل واضح لأسئلة رئيسة مثل: كم منهم يشغل وظائف حيوية يصعب "بالفعل" الاستغناء عنها حالياً؟! وكم منهم يمكن استبداله بكفاءات وطنية إذا ما طبّقنا بجدية عمليات "نقل الخبرة" وبمصداقية، وأضفنا لها برامج تدريب وتأهيل فعّالة؟! الشفافية في هذا الجانب هي مفتاح لوضع سياسات إحلال عقلانية ومستدامة، وتجعل المواطن هو الأول والأخير كخيارات وهدف.
وهنا لابد من وضع سياسات فعّالة لنقل المعرفة والمهارات من الأجانب إلى المواطنين، خصوصاً في المجالات التقنية والمتقدمة، إذ أي تقليص في العمالة الأجنبية يجب ألا يؤدي إلى فجوة مهنية، بل إلى فرصة لتعزيز القدرات المحلية، شريطة أن يقترن ذلك بإصلاحات في نقل الخبرة والتدريب والتوظيف، كما بيّنا أعلاه.
التقليص المنهجي في أعداد العمالة الوافدة لا يعني الاستغناء القسري، بل إعادة هيكلة منظمة لأولويات سوق العمل. وفي هذا الجانب من الممكن البدء بالقطاعات التي تعاني من فائض واضح في العمالة الأجنبية، مثل الخدمات منخفضة المهارة، ثم التدرّج نحو الوظائف التخصّصية، التي يجب أن تكون محل خطة إحلال وطنية قائمة على التأهيل والتمكين.
في ظل هذه الأعداد، دائماً نتساءل هل بإمكاننا وبحسب الإمكانيات الموجودة ورغم التحديات التي تبرز لنا دورياً، هل بإمكاننا احتواء هذا العدد من السكان ونسبة الأجانب المرتفعة؟! وأعني هنا من ناحية الالتزامات المالية والديمومة الاقتصادية وتحسين المستوى المعيشي، والاحتراز من الجريمة؟!
الإجابات تتطلب تحليلاً واضحاً واعياً، ولابد أن تكون "مصلحة المواطن" و"الاعتماد عليه" و"الثقة بقدراته" هي المعايير التي نبني عليها هذه الإجابات، إذ مع التحديات الحالية، ومع مساعي تنويع مصادر الإيرادات بعيداً عن الاعتماد الرئيس على النفط، فإن أي تضخم سكاني متزايد دون سيطرة، وخاصة من ناحية استقطاب العمالة، سيتحول إلى عبء اقتصادي ثقيل.
عملية إدارة ملف العمالة الأجنبية في البحرين لا يجب أن تستند إلى ردود فعل مؤقتة، بل إلى رؤية استراتيجية واضحة، تنظر إلى التحديات السكانية والاقتصادية بوصفها جزءاً من معادلة واحدة. والمطلوب ليس فقط ضبط الأرقام، بل إعادة توجيه الوجود الأجنبي ليكون داعماً للنمو المحلي، لا بديلاً عنه، وهنا إحلال المواطنين بشعار "البحرنة الكاملة" هو الهدف الأسمى.