في لحظة مشهودة من التاريخ، وقف الملك الفرنسي لويس السادس عشر وزوجته ماري أنطوانيت على منصة الإعدام، وسط صيحات جماهير غاضبة لم تعد ترى في التاج رمزاً للهيبة، بل عنواناً للخذلان.

قد يبدو هذا المشهد من الماضي البعيد، لكنه في حقيقته يحمل رسالة معاصرة، إذ حين تفشل الإدارة، يسقط كل شيء، مهما كانت القمة مرتفعة.

لم يكن سقوط لويس فقط بسبب مؤامرات أو غضب شعبي عابر، بل نتيجة تراكمات إدارية فادحة. تردده، ضعفه في اتخاذ القرار، وعجزه عن فهم نبض الشارع الفرنسي، جعلته ملكاً بلا قيادة. ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية، وازدياد الجوع في أوساط الشعب، كانت القطيعة بين القصر والناس تزداد اتساعاً.

ثم جاءت زوجته ماري أنطوانيت، لتُجسد الوجه الآخر للمأساة، إسراف فاحش، رفاهية مستفزة، وصورة ذهنية طبعتها الأقاويل مثل «فليأكلوا الكعك"، سواء قالتها أم لا، فإنها اختُزلت كرمز لفشل الإدارة في التواصل مع الواقع.

من هنا، تنطلق الدروس، وعلى رأسها أربعة، هي كالتالي:ضعف القيادة يكلف غالياً: حين تغيب الحسم والوضوح، وحين يتردد القائد أو يتخبّط، تتآكل الثقة. الموظفون أو المواطنون يراقبون ويتفاعلون، وعندما يرون التردد والضعف، تبدأ الولاءات بالتآكل.الانفصال عن الواقع جريمة إدارية: القائد الذي لا يسمع، ولا يرى، ولا يشعر، يفقد سريعاً قدرته على الحكم والإدارة. من يعيش داخل قصره، معزولاً عن تفاصيل الحياة اليومية، لن يدرك متى انفجرت الأزمة، إلا بعد فوات الأوان.

الشفافية ليست رفاهية: محاولة إخفاء الحقيقة، أو التحالف مع أطراف خارجية كما فعل لويس بمحاولة الهروب وطلب دعم من النمسا، دمرت ما تبقى من صورته. في عالم اليوم، الشفافية أساس الاستمرارية، لا مجرد خيار.إدارة الأزمات بحكمة لا بعنف: لو كانت هناك إدارة حقيقية للأزمة، لو تم الإصغاء، الإصلاح، والتدرج في التغيير، ربما تغير مسار الثورة. وهذا الدرس ينعكس بوضوح في مؤسسات اليوم، حيث يؤدي غياب الحنكة إلى تصعيد غير محسوب.

سقوط لويس وماري لم يكن فقط لحظة نهاية نظام ملكي، بل لحظة كشفت عمق أثر الضعف الإداري.

واليوم، في الشركات والمؤسسات، ما زالت القواعد ذاتها سارية، وتذكروها: القيادة ليست مركزاً، بل مسؤولية. والفشل في القيادة، لا يُقصي شخصاً فقط، بل يهز كياناً كاملاً. وإن أردنا الاستمرار، فلنتعلم من التاريخ لا لنرثيه، بل لننجو من تكراره.

الآن كم مسؤولاً لدينا منح ثقة إدارة قطاع ما فيه موظفون وقوى بشرية، ويفترض أن يخدم قطاعات من الناس، كم مسؤولاً يتعامل مع الوضع مثل لويس السادس عشر، ولربما كانت بجواره نوعية مثل ماري أنطوانيت؟!