في الماضي، كانت أشياؤنا بسيطة.
كنا نغمس خبز التوست في شاي بالحليب دون تفكير، نشتري اللوفة من البقالة بلا تصنّع، نأكل الفشار من أكياس بلاستيكية رخيصة، ولا نلتفت لدمى غريبة الشكل تُترك على الأرفف دون اهتمام.
اليوم، تغيّر كل شيء.
صار التوست "ترنداً”، يُباع في المقاهي بأسماء فاخرة وسعر مضاعف.
اللوفة؟ أعيد تقديمها كمنتج "طبيعي عضوي”، مغلّفة بعناية، وتُعرض بفخر في متاجر العناية الذاتية.
أما الفشار، فأصبح يُحضَّر بنكهات مبتكرة، ويُباع في صناديق هدايا وكأنه امتياز نخبوي.
حتى تلك الدمى ذات الملامح المشوّهة، مثل "لابوبو”، تحوّلت إلى هوس عالمي؛ اندلعت بسببها مشاجرات في متاجر بريطانيا، واضطرت بعض الشركات إلى تعليق بيعها بسبب الفوضى.
نحن نعيش – تماماً – ما وصفه المفكر الكندي آلان دونو في كتابه نظام التفاهة، حين قال:
«لقد بتنا نعيش في نظام يقتل العمق لحساب السطح، ويستبدل الكفاءة بالقدرة على الظهور».
وأنا أقول:
المعتاد صار مُمسرحاً، والعادي تحوّل إلى سلعة غريبة فقط لأنه قُدِّم بزاوية جديدة.
وصار التافه مُنتَجاً، والمُعتاد مُمسرحاً، والعقل الجماعي مأسوراً بفن الفارغ.
ولا ننكر أن تفاهات كهذه فتحت لأصحابها أبواب أبراج عاجية وحياة قرمزية، فقط لأنهم عرفوا كيف يغلّفون الفراغ بورق لامع.
في هذا العالم، لم تعد القيمة في الفكرة، بل في قابليتها للتغليف والترويج.
أشعر بوخزة في قلبي وأنا أمنح هذه الأمور التافهة حيزاً من فكري وكلماتي، لكن ربما يكون في تأمّل هذه الظواهر نوع من التوعية.
لعلّ في كشف السطحية، دعوة للعودة إلى العمق.