منذ أيام، نشرت صحف محلية وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي خبراً مفاده صدور تعميم من جامعة البحرين بشأن الالتزام بضوابط عقد مناقشة الأطروحات في برامج الماجستير والدكتوراه.
التعميم يتضمن لعديد من التعليمات، ولكن ما لفت انتباهي هو منع حضور الأهالي والزملاء أو أي جمهور آخر لجلسات المناقشة، حيث أثار هذا القرار ردود فعل متباينة، غلبت عليها مشاعر الحزن والاستغراب، ليس من الطلبة فحسب، بل من الأهل والأصدقاء، والذين لطالما حلموا بلحظة تتويج هذا الإنجاز العلمي إلى جانب أبنائهم أحبتهم.
من الناحية التنظيمية والإدارية، قد يكون للجامعة مبرراتها ولها الحق في ذلك؛ فالمناقشات بطبيعتها شأن أكاديمي تخصصي، يفترض أن تجرى في بيئة علمية خالصة خالية من الضغط أو المجاملات أو حتى رهبة الجمهور، وقد يفهم هذا التوجه على أنه محاولة لحماية جدية المناقشة الأكاديمية وضمان موضوعيتها وحياد اللجنة العلمية.
لكن في المقابل؛ لا يمكننا تجاهل الجانب الإنساني والعاطفي في مثل هذه اللحظات المصيرية؛ فمناقشة رسالة الماجستير أو الدكتوراه ليست مجرد مرحلة أكاديمية فحسب، بل تمثل ثمرة سنوات من الكد والتعب والسهر والتحمل، ليس من الطالب وحده، بل من عائلته الداعمة التي وقفت إلى جانبه خطوة بخطوة.
ويمكنني قولها وعن تجربة شخصية؛ أن يمنع الأب من مشاهدة ابنته تناقش أطروحتها، أو تحرم الأم من لحظة ترى فيها ابنها يقف واثقاً يناقش خلاصة جهد وتعب سنوات أمام اللجنة، هو أمر يفقد هذه اللحظة أهم ما فيها من معنى إنساني.
بل أكثر من ذلك، فإن وجود الأهل في قاعة المناقشة لم يكن، في تجارب كثير من الجامعات الأخرى، سبباً في تعطيل الجلسات أو التأثير سلباً على محتواها، بل على العكس؛ فقد يكون هذا الحضور من أهم أسباب تعزيز الثقة لدى الطالب، ويجعل من هذا الحدث العلمي محطة لا تنسى في حياته ومسيرته العلمية.
سؤالي إلى متخذي القرار؛ هل يمكنكم مراعاة الجانبين؟ الإبقاء على خصوصية المناقشة الأكاديمية وجديتها دون أن حرمان الأهالي من فرصة الحضور؟ وقد يكون الحل بالسماح لعدد محدود من الأهل بالحضور، أو تنظم المناقشة في قاعات تسمح بالحضور مع الالتزام بالهدوء والانضباط؟ أو حتى يمكن أن تبث المناقشات عبر الإنترنت لتمكين الحضور دون التأثير على سير الجلسة؟
الجامعات ليست مؤسسات لإنتاج المعرفة فقط؛ بل هي أيضاً مساحات لصناعة الذكريات، ولحظات الفرح، والاعتراف بالجهد والنجاح. وقرارات كهذا يمكن أن تفرغ لحظة المناقشة من بعدها الإنساني، وتحرم الأهالي من الفرح والطلبة من الاحتفال الحقيقي بنجاحهم.