بدر علي قمبر


هناك العديد من الأعمال التي يقوم بها المرء دون أن يشعر، فيرى أثرها في جميع مناحي حياته؛ يرى التوفيق والبركة حيثما حلّ، ويشاهد صور الرزق في كل خطوة يخطوها في طريقه. والإنسان بحاجة ماسة لأن يُحوّل حياته إلى مساحةٍ عامرةٍ بأعمال الخير، تعود عليه بأجور الآخرة، وتجعله يعيش في فسحةٍ من الطمأنينة وسط تسارع أيام الحياة.

ابحث عن تلك الأعمال التي لا ينبغي التردد في السعي إليها، لاسيما في أيام عظيمة هي من أحب الأيام إلى الله تعالى. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يُحب لأخيه ما يُحب لنفسه». وقال عليه الصلاة والسلام: «من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مؤمن كربة، فرّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة». وقال صلى الله عليه وسلم: «صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر».

نعيش هذه الأيام الجميلة المباركة، وهي من أعظم وأفضل الأيام على الإطلاق. قال تعالى: «والفجر، وليالٍ عشر، والشفع والوتر». وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر». قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء». وقال عليه الصلاة والسلام: «فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد».

إنها أيام عظيمة، ومواسم من الخير والطاعات، اختصها الله لعباده المؤمنين ليتقربوا إليه، ويتضرعوا بين يديه، ويجددوا إيمانهم في موسم آخر من مواسم الأجر. ومن أبرزها يوم عرفة، الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: «من يوم أكثر من أن يُعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو، ثم يُباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟». وكذلك يوم النحر (يوم العيد) الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم: «أعظم الأيام عند الله تعالى: يوم النحر، ثم يوم القر». أيام اجتمعت فيها فضائل الأعمال، فحريٌّ بالمرء أن يكون له فيها شأن مميّز وأثرٌ إيماني، يجدد به إيمانه وحياته.

في بعض الأحيان، قد تتسلل إلى النفس وساوس شيطانية تُثبط العزيمة، أو تُلقي في طريقك عقباتٍ نفسية تصدك عن مدارج الخير، وتضعف من إقبالك على ميادين الطاعات، وتمنعك من التلذذ بمشاعر الإحسان التي اعتدت عليها. عليك أن تجعل الخير نصب عينيك، وألا تستسلم لمثل هذه المثبطات، بل كن دائماً في طليعة ركب الخير. واجعل من كل عمل تقوم به لحظة شعور وإحساس، حتى تظفر بالسعادة التي تطلبها: سعادة الدنيا والآخرة. وادعُ دائماً: «اللهم اجعله لنا أجراً». الصدق مع الله، والنية المتجددة بأن يكون كل عمل خالصًا له، تمنحك راحة إيمانية ونفسية، وتعزز من عطائك في هذه الحياة، وترفع مكانتك كخليفة لله تعالى في أرضه.

بدأت مشاعر «أجمل رحلة في الحياة»... تلك المشاعر التي تختلف من شخص إلى آخر، بحسب إدراكه وقوة استشعاره لتلك المناسك العظيمة، والخطوات التي يخطوها في أرض الخير، مكة المكرمة. إنها رحلة «أجمل رحلة» لأولئك الذين اصطفاهم الله تعالى لخدمة ضيوف الرحمن. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الحجاج والعمّار وفد الله، إن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم». إنه اصطفاء من الله تعالى لتكون خادمًا لضيوف الملك الديان سبحانه وتعالى، في أعظم موسم إيماني، وأطهر البقاع، وأفضل الأيام.

هي مشاعر لا يشعر بها إلا أولئك الذين اعتادوا البذل، وسهروا على راحة الحجاج، القادمين من كل فج عميق استجابة لنداء المولى ونداء إبراهيم عليه السلام: «وأذِّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامرٍ يأتين من كل فجٍّ عميق». إنها فرحة لا تضاهيها فرحة، أن تكون في خدمة ضيوف الرحمن.

أما من اصطفاه الله ليكون من الحجاج هذا العام، فقد نال اصطفاءً خاصاً؛ فاختاره الله من بين عباده، ممن سمعوا نداء إبراهيم ولبّوه، مقبلين على الله تعالى طائعين، تائبين، راغبين في الطهر من أدران الحياة. إنها فرصة لتجديد الإيمان، والتخلص من أعباء الدنيا، والعودة بصفاء النفس ونقاء السريرة، كمن وُلِد من جديد.

فطوبى لمن اختاره الله تعالى حاجّاً إلى بيته الحرام، وهنيئًا له بهذه الرحلة الإيمانية التي تُعد من أجمل رحلات الحياة. فليستثمر كل لحظة في القرب من الله الكريم، ولتكن كل خطوة يخطوها في هذا المسير الجميل خطوة عبادة، وكل منسك يؤديه لحظة تحول في حياته، لا تُنسى، فيُحسن أداءها بروحه وقلبه، لا بمُجرد جسده.ومضة أمل:الحج... رحلة المشاعر والأحاسيس الخاصة.