أسماء خالد


مثّل القرن التاسع الهجري/ السادس عشر الميلادي استمرار نفوذ دولة الجبور في البحرين والخليج العربي بفضل امتلاكها قوة برية وبحرية، علاوة على السياسة الحكيمة لأغلب أمرائها والتي نالت قبولاً لدى سكان وأهالي المنطقة. مع ذلك شهدت هذه المرحلة التاريخية تحدياً خارجياً كبيراً تمثّل بظهور الأطماع الأوروبية إثر حركة الاكتشافات الجغرافية الكبرى والتي قادتها البرتغال، ووصل أثرها إلى الهند لتبسط نفوذها على الممرات البحرية الرئيسة في العالم، ونظراً لأهمية الخليج العربي تواجد البرتغاليون عبر أسطولهم البحري الكبير في هرمز سنة ١٥٠٧م، وأخذوها قاعدة لنفوذهم ووجودهم في الخليج العربي. وفي هذه اللحظة التاريخية الحرجة حاولت دولة الجبور بقيادة أميرها مقرن بن زامل التصدي لمحاولات البرتغاليين في التوسع والذي اتخذ موقفاً بطولياً برفضه الانصياع للبرتغاليين بعد سيطرتهم على هرمز عام ١٥٠٧م، وامتنع عن دفع الضرائب لهم، ورفض الاعتراف بنفوذ البرتغاليين في الخليج العربي، الأمر الذي اعتبره البرتغاليون تحدياً صريحاً وهو ما دفعهم لتشكيل تحالف مع هرمز وشن عدة حملات على البحرين، كان أشدها في عام ١٥٢١م مدعومين بأسطول كبير ومدفعية بحرية حديثة.

ورغم استبسال الجبور في الدفاع عن قلعتهم المعروفة بـ«قلعة الجبور» وهي إحدى القلاع التي أنشؤوها في محيط ما يعرف اليوم بـ«قلعة البحرين»، إلا أن الفارق في العدة والعدد رجّح كفة البرتغاليين، فتمكنت القوات البرتغالية المدججة بالسفن والمدافع من الوصول إلى قلعة البحرين، واستُشهد مقرن بن زامل في المعركة عام ١٥٢١م، ومثّل ذلك نهاية حكم الجبور في البحرين.

لكن النفوذ البرتغالي لم يكن استقراراً حقيقياً وطويلاً، بل كان هشاً ومحدوداً. فقد اكتفى البرتغاليون بحامية عسكرية ومجموعة من الموظفين في الجزء البرتغالي من قلعة البحرين، دون تدخل مباشر في شؤون الحكم. كما اعتمدوا على إدارات محلية.

واستمر التصدي والرفض من قبل أهالي البحرين، وبمساندة القبائل العربية القادمة من الساحل الشرقي للخليج العربي، نجح أهل البحرين في إنهاء النفوذ البرتغالي عام 1602م، لتبدأ مرحلة جديدة من السيادة، إذ ظل سكان البحرين متمسكين بهويتهم ومكانتهم كمركز تجاري مزدهر في الخليج.

وقد توالت الأحداث، حتى جاءت لحظة التحول الأهم في تاريخ البحرين الحديث في عام ١٧٨٣م حين تم فتح البحرين على يد الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة (الفاتح)، الذي وضع بذلك حداً للأطماع الخارجية وأعاد للبحرين استقلالها ومكانتها.ومنذ ذلك الفتح المجيد والذي مثّل بداية العهد والدولة الوطنية في البحرين، تعاقب على حكم البحرين رجال من آل خليفة عرفوا بالحكمة والعدل والتسامح، مؤسسين دولة قائمة على الاستقرار، ورافضين لكل أشكال التبعية، ومرسخين لهويتها العربية والإسلامية والانتماء الخليجي الأصيل، رافعين رايات التسامح والعدل، ورافضين كل محاولات السيطرة الخارجية.

وهكذا، فإنّ دور الجبور، وتضحيات مقرن بن زامل، ومواقف البحرينيين البطولية، كانت بمثابة صفحة مشرّفة في سلسلة تاريخ البحرين في العصور الإسلامية، توّجها الفتح الخليفي للبحرين وبزوغ عهد جديد من الأمن والازدهار والسيادة، جعل منها دولة مرموقة إقليمياً وعالمياً لتسطّر البحرين فصولاً من التاريخ العربي الإسلامي المشرق الذي ظل عنوانه: السيادة والصمود والانتماء.