حدثان لافتان، استطاعت من خلالهما مملكة البحرين أن ترسخ حضورها على الساحة الدولية بقوة وامتياز.الأول، تمثل بانتخاب بلادنا الغالية بعضوية غير دائمة في مجلس الأمن الدولي لعامين ابتداء من مطلع العام القادم. والحدث الثاني استضافتنا للمؤتمر الدولي الأول للعقوبات البديلة، وهو المشروع الذي حققت فيه البحرين نجاحاً باهراً.الربط بين الحدثين ضرورة لفهم سياق أشمل يعكس اتجاهاً متماسكاً نحو ترسيخ العدالة بصورتها الحديثة وبما تؤمن به مملكة البحرين، وهي التي أراها تتلخص في معادلة يمكن ترجمتها كالتالي: ”عدالة قائمة على التوازن بين السيادة والإنسان، وبين القانون والإصلاح".حصول البحرين على 186 صوتاً في الجمعية العامة للأمم المتحدة لم يكن نتيجة تحركات دبلوماسية لحظية، بل امتداداً لمواقف وسياسات تميزت بالاتزان، وحرص دائم على التفاعل البناء مع القضايا الإقليمية والدولية. والمميز أن هذه العضوية الأممية جاءت في ظرف عالمي معقد، مما يضفي عليها بعداً مضاعفاً، ويضع البحرين في موقع مسؤول ضمن منظومة الحفاظ على السلم والأمن الدوليين.ما يلفت النظر في هذا الإنجاز أنه يتواكب مع توجه داخلي لا يقل أهمية، يتمثل في تعميق مفهوم العقوبات البديلة كأحد أوجه تطوير العدالة الجنائية. المؤتمر الدولي الذي احتضنته المنامة بحضور مسؤولين دوليين وخبراء حقوقيين، عكس رغبة حقيقية في أن تكون التجربة البحرينية في هذا المجال قابلة للتعميم والمشاركة، لا محصورة في سياقها المحلي. وهذا ما يدعو للتفاؤل، لأن العدالة التي تبني الإنسان لا تقل أهمية عن تلك التي تحمي المجتمع.الكلمة التي ألقاها معالي وزير الداخلية الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة، خلال المؤتمر، كانت لافتة في مضمونها، خصوصاً حين شدّد على أن العقوبة البديلة وسيلة إصلاحية تعطي من يستحق فرصة للعودة. مثل هذا الخطاب لم يعد مألوفاً كثيراً في المنطقة، وهو ما يفتح آفاقاً جديدة للتفكير في نماذج بديلة للعقاب، لا تلغي الردع، لكنها تدمجه مع إعادة التأهيل.من هنا، جاء إعلان تأسيس «مركز التميز للعقوبات البديلة والسجون المفتوحة» كخطوة استراتيجية تعكس نية الدولة في ترسيخ هذه التجربة، وتطويرها أكاديمياً وتدريبياً. وهي خطوة توحي بأن المشروع ليس موسمياً، بل جزءاً من رؤية بعيدة المدى.الربط بين ما هو خارجي (عضوية مجلس الأمن) وما هو داخلي (الإصلاح الجنائي) يعكس منهجاً واحداً، وهو أن الإنسان يظل محور كل إصلاح حقيقي. هذه الفلسفة، التي تتجلى بوضوح في الخطاب السياسي البحريني، تمثل نقلة نوعية في طريقة تعاطي الدولة مع ملفات حقوق الإنسان، ليست عبر الشعارات بل من خلال مبادرات قابلة للقياس والتقييم.إن ما تحقق خلال الأيام الماضية ليس تتويجاً لمرحلة، بل بداية لمسؤوليات أكبر. فمثلما كسبت البحرين ثقة المجتمع الدولي في قاعة الأمم المتحدة، هي تسعى اليوم للحفاظ على هذه الثقة من خلال البناء على مشاريعها الحقوقية والتنموية. ولا شك أن نموذج العقوبات البديلة يمثل أحد أهم هذه المسارات، لما يحمله من رسائل إيجابية بشأن إعادة تعريف العدالة بطريقة أكثر إنسانية.البحرين تقدم اليوم مقاربة خاصة تستحق أن ترصد وتحلل، لا فقط من باب الإعجاب، بل بوصفها تجربة قد تفتح آفاقاً لحوارات عالمية جديدة حول العلاقة بين الأمن، الإصلاح، والكرامة.
alshaikh.faisal@gmail.com
Opinion
بين مجلس الأمن والعقوبات البديلة
04 يونيو 2025