بالنسبة للحوادث المرورية الجسيمة التي تتسبب في حالات وفاة أو إصابات بليغة، ويكون سببها «مخالفة»، لن يكون حل تلك المشكلة بتغليظ العقوبات فقط، فالحل لابد أن يكون جذرياً، وذلك بالتشدد في إنفاذ وتطبيق العقوبات على المخالفات الصغيرة أولاً وبشكل فوري وعلني لابد أن نستعيد سمعة فقدناها -مع الأسف-هي السمعة المرورية لمملكة البحرين، حيث كنا الأول والأفضل والأكثر التزاماً بالقانون وانضباطاً.استعادة تلك السمعة من جديد هي الحل الجذري لمنع تفاقم المخالفات الكبيرة، وهي نظرية ليست جديدة، ولا نخترع بها العجلة من جديد، بل حتى لها تسمية أطلق عليها رودي جولياني عمدة نيويورك السابق في كتابه «القيادة» اسم نظرية «النافذة المكسورة» وتبنى على أساس أن تخفيض مستوى الجرائم يبدأ بضبط المخالفات الصغيرة وضرب مثلاً بأن إهمال إلزام أصحاب البنايات بإصلاح نوافذ عماراتهم المهجورة شجع على اتخاذها مأوى لكل المخالفات والجرائم، فلابد بالبدء من إصلاحها قبل أن نفكر على المستوى الكبير في مكافحة الجرائم (تمت دعوة جولياني للبحرين للاستفادة من خبرته في تخفيض نسبة الجرائم عام 2018).كذلك بالنسبة للحوادث الخطيرة الناجمة عن المخالفات المرورية الجسيمة، الحل يبدأ بالإنفاذ الفوري للعقوبة على المخالفات الصغيرة، فإن كان غرامة أو سحب سيارته من موقع المخالفة وأمام مرأى الجميع أي ينفذ القانون في موقع الحدث لتلك المخالفات التي تحفل بها شوارعنا، وعلى المتضرر اللجوء للقضاء، حينها سيتأكد الناس بأن هناك تغييراً كبيراً حاصلاً يستدعي الالتزام بالقانون والحرص على الالتزام بضوابطه.عشرات من المخالفات ترصدها عيون الناس في الشوارع يومياً فلا يرون للقانون أثراً عليها في موقعها، من وقوف خاطئ إلى مرور على يمين الطابور إلى تعطيل السير نتيجة الوقوف لشراء الكرك إلى إلى إلى مما يعطي صورة سيئة تشجع على التمادي.فلا دوريات كافية تتناسب مع حجم زيادة الأعداد واتساع شبكة الطرق، ولا كاميرات كافية تغطي الشوارع الداخلية، ولا توجد وسيلة واضحة للتبليغ يستخدمها الناس للتبليغ عن المخالفات كي يعوضوا النقص في الرقابة الأمنية، ويكونوا عوناً للمرور.فإذا كان هذا هو المشهد اليومي فكيف ننتظر من الناس الالتزام بالسرعة؟دون أن يعرف القاصي والداني والمواطن والمقيم والعربي والأجنبي أن البحرين دولة بها تطبيق فوري وحازم للقانون المروري وغرامة المخالفات الصغيرة مرتفعة، وتسحب بشكل مباشر من حساب المخالف قبل الكبيرة، فإن كل ما نفعله سيضيع وسيعود الاستهتار من جديد.الحل ليس في تغليظ عقوبات السرعة وتخطي الإشارات الحل في إعادة «السمعة المرورية» التي خسرناها مع الأسف، فالبحرين اليوم ليست من الدول التي لها سمعة التشديد والحزم في تطبيق قانون المرور، وهذه سمعة كسبتها البحرين طوال تاريخها؛ بسبب التزام الجميع بالقانون حينها بشكل كبير.يأتي على (المرور) فترة يشدد بها التطبيق، وتشعر الناس أن هناك تغيراً، ويحذر بعضهم بعضاً على لبس الحزام، وعلى استخدام الهاتف، وعلى تجاوز السرعة، وتصل ذبذبات التشدد إلى جميع أطراف البحرين، إن التنفيذ كان حازماً بحيث لم يكن هناك مجال للواسطات وللتدخلات، ولكن بعد فترة نعود للتراخي.لذلك نحتاج من أجل التقليل من الحوادث المميتة إعادة السمعة المرورية الحازمة للبحرين، أولاً بزيادة الدوريات المرورية بكل وسائلها سيارات أو موتورسيكلات أو راجلين، وزيادة الكاميرات، وفتح مجال للتبيلغ من المواطنين بشكل واسع، ونحتاج أن يعطى القائمون على المرور ضوءاً أخضر بعدم قبول أي وساطة أو تدخل، وأن ينفذ القانون كدفع الغرامة في موقع الحدث لكائن من كان وعدم قبول رفع التلفونات للشكوى من هذا الإجراء وأمام الناس ويلزم الكبير (نفوذا) قبل الصغير.حينها ستقل تلقائياً المخالفات الجسيمة كتجاوز السرعة وتجاوز الإشارة الحمراء والقيادة تحت تأثير المخدر، فابدؤوا بالنوافذ المكسورة.
s.alshaeer@gmail.com
Opinion
الحوادث المرورية القاتلة.. ابدؤوا بالنوافذ المكسورة
04 يونيو 2025