توفيق السباعي


يوم الثلاثاء الموافق 3 يونيو 2025، كانت مملكة البحرين على موعد مع لحظة تاريخيّة جديدة، لحظة تُسجّل لا بالحبر فحسب؛ بل بتصويت 186 دولة وبنسبة 99.5% وذلك خلال جلسة التصويت الّتي عقدتها الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة في نيويورك؛ لتقول للعالم: «نحن أهلٌ للثقة.. نحن شركاء في صناعة السلام العالمي».فوز مملكة البحرين بعضويّة مجلس الأمن للفترة 2026-2027 لم يكن خبراً عابراً؛ بل هو ثمرة سنوات من العمل المتواصل، والنهج المتسامح، والرسائل المتزنة الّتي حملتها دبلوماسيّة المملكة إلى كلّ محفل ومنبر دوليّ. لم تكن البحرين يوماً دولة هامشيّة في ملفّات العالم؛ بل كانت ولاتزال صاحبة مواقف ومبادئ، ومُبادِرة في زمنٍ تتردّد فيه كثير من الأصوات، وتتعالى فيه لغة المصالح.هذا الإنجاز الكبير يأتي تتويجاً لرؤية حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البلاد المعظم، حفظه اللّه ورعاه، رؤية متقدّمة تحمل رسالة مفتوحة إلى العالم، رسالة تؤمن بأنّ التعايش لا يفرض بل يُصان، وأنّ الأمن لا يُبنى إلّا بالحكمة والحوار والعمل الجماعيّ، وأنّ التنمية لا تستقيم إلّا على أساس من التعايش والعدالة. وبدعم صاحب السموّ الملكيّ الأمير سلمان بن حمد آل خليفة وليّ العهد رئيس مجلس الوزراء، حفظه اللّه؛ تُرجمت هذه الرؤية ميدانيّاً في كلّ مسار تنمويّ، وموقف سياسيّ، وتحرّك خارجيّ يُوازن بين الثوابت الوطنيّة والغايات النبيلة.نعم، هي ليست المرّة الأولى الّتي تدخل فيها البحرين مجلس الأمن؛ لكنّها تأتي في ظرف عالميّ بالغ التعقيد، حيث تتقاطع الأزمات وتتسارع التحدّيات. وهنا بالضبط تكمن أهميّة البحرين كصوت يحترمه العالم، وكشريك يمكن الاعتماد عليه لإطلاق مبادرات السلام، وكدولة ذات رصيد أخلاقيّ ودبلوماسيّ مبنيّ على التسامح والاعتدال، وتُسهم في مواجهة التحدّيات الإنسانيّة الّتي تهمّ الجميع: من القضيّة الفلسطينيّة إلى الأمن السيبرانيّ، ومن حقوق الإنسان إلى قضايا البيئة والمياه والمجاعات.ما يميّز البحرين أنّها تدخل مجلس الأمن محمّلة بتاريخ من المبادرات الخلّاقة، بما في ذلك إعلان البحرين لدعم التسامح والتعايش الّذي نال ترحيباً وإشادة دوليّة واسعة، وإنشاء مركز الملك حمد العالمي للتعايش والتسامح كأوّل مؤسّسة من نوعها تسعى لنشر ثقافة الحوار بين الشعوب وتعزيز قيم التسامح، وتنظيم منتدى «حوار المنامة» سنويّاً لمناقشة قضايا الأمن الإقليميّ، واستضافة ملتقى البحرين للحوار بمشاركة من مختلف الأديان والطوائف، ودعواتها المستمرّة لعقد مؤتمر دوليّ للسلام في الشرق الأوسط، ومواقفها الثابتة في الدفاع عن القضايا العادلة، وتعزيز دور المرأة والشباب في العمل الدوليّ، فضلًا عن دعمها المتواصل للمبادرات الإنسانيّة والصحّيّة والتعليميّة حول العالم.ويكفي أنّ هذا الإنجاز قد تحقّق بجهود وطنيّة خالصة، يقودها فريق البحرين الدبلوماسيّ برئاسة سعادة الدكتور عبداللطيف بن راشد الزيّاني، وزير الخارجيّة، وبدعم مباشر من صاحب السموّ الملكيّ وليّ العهد رئيس مجلس الوزراء، لتكون النتيجة صورة مشرّفة لمملكة عرفت كيف تحوّل حضورها الدوليّ من الحضور إلى التأثير.والجميل في هذه اللحظة أنّها تتزامن مع مناسبة روحيّة عظيمة، عيد الأضحى المبارك. وكأنّ قدر البحرين أن تبتهج بعيدين: عيد يعمّ المسلمين، وآخر يزفّها إلى مصافّ الدول صانعة القرار في العالم. فكلّ التهاني القلبيّة نرفعها إلى جلالة الملك المعظم أيّده اللّه، وسموّ وليّ العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه اللّه، والشعب البحرينيّ الكريم، بهذا الفوز الدبلوماسيّ الباهر، وبحلول عيد الأضحى المبارك، سائلين اللّه أن يعيده على وطننا الغالي والأمتين العربيّة والإسلاميّة بالأمن والخير والبركة.هكذا تكبر البحرين؛ لا بصخب السياسة، بل بحكمة قيادتها. لا بالشعارات، بل بالأفعال، ولا بالتحالفات العابرة، بل بالمواقف الثابتة... وهكذا تكتب فصول جديدة من قصّة وطن صغير في حجمه؛ لكنّه يعرف جيّداً كيف يكون كبيراً في تأثيره.