لو كنت أبحث لابنتي أو ابني عن تخصص دراسي هذه الأيام لما اخترت إلا ريادة الأعمال طريقاً. ليس بالضرورة أن اختار له أن يكون طبيباً أو مهندساً أو معلماً، بل سأضعه على طريق يمكنه بعد خمس أو عشر أو عشرين سنة أن يكون مالكاً لمستشفى أو شركة إنشاءات هندسية أو مدرسة خاصة.إن الأمم والمجتمعات تزدهر برواد الأعمال الشجعان القادرين على أخذ زمام المبادرة والابتكار والتفكير خارج الصندوق وإنجاز المهام بطرق مبتكرة.هؤلاء الرواد سيخلقون مشروعات يوظفون فيها أنفسهم أولاً، ثم يخلقون فرصاً وظيفية أخرى لاثنين أو ثلاثة من زملائهم وربما عائلاتهم، وبمرور الوقت يصبحون مولدين لفرص عمل كثير بدل أن يكونوا باحثين عنها. هذا من جانب، من جانب آخر سيقدمون خدمات ومنتجات جديدة تسهم في الازدهار الاقتصادي من جهة، وتجعل حياتنا أكثر سهولة ورفاهية من جهة أخرى.كثير من رواد الأعمال العالميين، أمثال بيل غيتس ومارك زوكربيرغ تفرغوا لمشروعاتهم الخاصة، حتى أيلون ماسك صرح أكثر من مرة أنه غير مقتنع بالتعليم الجامعي. وأنا شخصيا لن أجازف بتأييد هذا الرأي بشكل كامل، بل إن الشهادة الجامعية ضرورة لسبب أو لآخر، ولكن الضرر يحدث عندما يعتقد الطالب وأهله أن هذه الشهادة وحدها ستكفي وبشكل مضمون لتكون مفتاح سوق العمل والدخل والاستقرار والرفاهية.وفي الواقع، وبلا أي نقاش، نستطيع التأكيد أن مملكة البحرين وفرت منظومة شاملة لدعم رواد الأعمال وبيئة ريادة الأعمال ككل، حتى في المراحل الابتدائية تجد الطلبة يقيمون أسواقاً للبيع والشراء من بعضهم البعض في مدارسهم، وفي المراحل الإعدادية والثانوية تتوفر برامج كثيرة لتشجيع الطلبة على إطلاق مشروعاتهم الخاصة، أو على الأقل العمل على تحويل أفكارهم إلى مشروعات قائمة.تظهر جهود الحكومة الموقرة في هذا السياق بارزة في كثير من المبادرات، ويكفي النظر إلى ما يقدمه صندوق العمل «تمكين» في هذا الصدد، من خلال برامج مثل «مشروعي» الذي أعلن عن إطلاق نسخة جديدة منه الأسبوع الماضي، فضلاً عن برامج الإرشاد والتمويل مثل «ستارتب بحرين»، إضافة إلى وجود الكثير من حاضنات ومسرعات الأعمال، وغيرها الكثير.التقرير العالمي لمنظومات المؤسسات الناشئة للعام 2024 (GSER) الصادر عن مؤسسة ستارت أب جينوم والشبكة الدوليّة لريادة الأعمال (GEN) ذكر أنه في الفترة من 1 يوليو 2021 إلى 31 ديسمبر 2023، بلغت قيمة المنظومة الريادية في مملكة البحرين 1.2 مليار دولار أمريكي، وهو ما يمثل نمواً سنوياً بنسبة 40% مقارنة بالفترة الزمنية من 1 يوليو 2019 إلى 31 ديسمبر 2021. وتعتبر قيمة المنظومة أحد مقاييس الأثر الاقتصادي، ويتم احتسابها بقيمة عمليات التخارج وتقييم المؤسسات الناشئة، وقد شغلت المملكة مراكز متقدمة في عدد من المؤشرات ذات الصلة التي ذكرها التقرير.سمة هذا العصر هي التغير السريع والعاصف، وحتى مجالات تعليمية مثل التكنولوجيا الماليّة والأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة ربما لن تكون مجالات جاذبة، من يدري، وعلى كل حال هناك منصة «كورسيرا» العالمية، تقدم برامج تعليم وتدريب في كل شيء تقريباً، والتسجيل فيها مدعوم من «تمكين» بالمناسبة، ويمكن أن يكون نظرة على هذه المنصة نقطة انطلاق جيدة لتكوين صورة أوضح عن المستقبل الدراسي والمهني لأبنائنا، ليس من ناحية التعليم المنتهي بالتوظيف فقط، بل التعليم المنتهي بريادة الأعمال بشكل أكبر.لن يكون الجميع رواد أعمال بلا شك، لا ضير في ذلك، وكلما تمكنا من تشجيع المزيد من الطلبة والشباب على التحول نحو ريادة الأعمال، استطعنا بناء اقتصاد ومجتمعات أكثر تجدداً وابتكاراً وازدهاراً ورفاهية.