من بين كل الأساطير التي خرجت من بطون التاريخ، تبقى ”لعنة الفراعنة» واحدة من أكثر القصص إثارة وغرابة أيضاً.تخيل أن تفتح باب غرفة أغلقت منذ آلاف السنين، فلا يظهر لك وحش بأنياب ذهبية حادة، ولا تابوت يطير نحوك يحاول ابتلاعك، بل تموت بسبب بعوضة!!نعم، بعوضة!! وهنا نتساءل: هل هذه لعنة أم نكتة تاريخية بسيناريو غامض؟!البداية تعود إلى عام 1922، عندما اكتشف عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر مقبرة الملك الصغير توت عنخ آمون، أصغر ملوك الفراعنة وأغناهم. وهنا نتحدث عن لحظة تاريخية، لكنها لحظة تحولت سريعاً إلى فصل جديد من قصص الرعب!الممول الرئيسي للحملة، اللورد جورج إدوارد ستانفورد مولينكس هيربرت، أرستقراطي إنجليزي عرف بتمويله رحلات البحث وبعثات استكشاف مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك بطيبة، اللورد جورج مات بعد أن لسعته بعوضة لا فرعونية بل عادية جداً، ثم أصيب بعدوى قاتلة. في اللحظة ذاتها، انقطعت الكهرباء عن القاهرة.هل كانت هذه صدفة، أم غضب فرعوني متقن التوقيت؟! الناس، طبعا لم يترددوا، وأعلنوها: إنها اللعنة! وبدأت ما يسمى بـ«لعنة الفراعنة» رسمياً.لم تنتهِ القصة هنا، إذ واحد من أعضاء الفريق مات في حادث سيارة. آخر قتل نتيجة تسمم بسبب عفن داخل المقبرة. شخص ثالث جلب معه عصفوراً صغيراً إلى الموقع، فظهرت له كوبرا حقيقية والتهمت العصفور!والأغرب من كل ذلك، هوارد كارتر نفسه، مكتشف المقبرة، عاش بسلام 17 عاماً بعدها، وتوفي بهدوء تام، دون أن تطارده كوبرا، أو تصعقه الكهرباء، أو يلاحقه البعوض، أو تزوره مومياء قاتلة بعد منتصف الليل وهو نائم في فراشه.لكن العقل يرفض تصديق الخوارق كالعادة، بالتي كان السؤال: إذا كان الفراعنة قد وضعوا لعنة على من يفتح قبورهم، فلماذا لم تمتد هذه «الوصية القاتلة» إلى من سرق أو نقل تماثيلهم ومسلاتهم إلى المتاحف الأوروبية؟! هل اللعنة تعمل فقط داخل وادي الملوك، ولا تشمل الشحن الدولي؟!العلماء، كعادتهم، لديهم تفسير لكل شيء، تفسير هدفه الأول والأخير دحض الخوارق. فمضى أغلبهم ليقول بأن المقابر المغلقة منذ آلاف السنين قد تحتوي على غازات سامة أو فطريات خطرة، ولكن الهلع الإنساني الطبيعي حوّل كل سوء حظ إلى «انتقام فرعوني».رغم المنطق، تبقى «لعنة الفراعنة» أكثر جاذبية من أي تقرير طبي. إنها أسطورة بطعم خاص، كوجبة فرعونية قديمة بنكهات غامضة، لا تتركك كما كنت. إذ عبارة مثل: «الموت سيأتي على أجنحة سريعة لكل من يزعج هذا الملك»، وهي عبارة محفورة على جدران المقبرة، كافية لإقناع أي لص آثار أو حتى سائح بالعودة فوراً إلى الفندق، وهو يتلفت هلعاً راجياً ألا يرى مومياء تطارده.قد تكون «اللعنة» خرافة، وقد تكون مبالغة، لكن ما نتفق عليه هو أن الفراعنة، بأسلوبهم الذكي ورموزهم الغامضة، عرفوا كيف يجعلون العالم يتحدث عنهم بعد أكثر من ثلاثة آلاف عام، وهي أحاديث مازال الغموض يغلفها.
alshaikh.faisal@gmail.com
Opinion
الموت بـ«وصية فرعونية»!
07 يونيو 2025