إن التحوّل من «طفولة اللعب» إلى «طفولة الهاتف» التي يعيشها أبناؤنا اليوم، يجلب معه أمراضاً عقلية ونفسية، بحسب عالِم النفس الاجتماعي في جامعة نيويورك، جوناثن هايت. ففي كتابه «الجيل القَلِق، The Anxious Generation»، يناقش هايت خطورة تعلّق الأطفال بالهواتف الذكية، وقضائهم ساعاتٍ يومياً في مشاهدة مقاطع الفيديو، مبتعدين عن ممارسة أبسط الأنشطة واللعب الذي يتضمن حركة جسدية، مما يفقدهم في المستقبل القدرة على التكيّف مع الواقع وتكوين علاقات اجتماعية صحية.ويُرجع هايت تراجع «طفولة اللعب» إلى أسلوب التربية الحديث القائم على الحماية المفرطة، والذي حرم الطفل من اللعب مع أقرانه في الأماكن العامة، كالأحياء والساحات المفتوحة، دون رقابة مباشرة. ويعتقد أن هذا النمط التربوي أعاق تطوّر مهارة الصمود (resilience) في مواجهة العقبات لدى الأطفال والمراهقين، وأضعف قدراتهم على حلّ المشكلات والتحكم في العواطف، مما يجعل الأطفال اليوم أكثر عرضة للقلق والاكتئاب.أما العامل الثاني، فهو انتشار الهواتف الذكية ومنصات التواصل الاجتماعي منذ نحو عام 2010، وهو ما زاد من «وقت الشاشة» المرتبط مباشرةً بالشعور بالوحدة والقلق. ويُحدِّد هايت أربعة مخاطر رئيسة لاستخدام الهواتف الذكية وتطبيقاتها، أولها: الحرمان الاجتماعي، نتيجة لانخفاض التفاعل وجهاً لوجه، مما يُضعف العلاقات الإنسانية. ثانياً: الحرمان من النوم، الذي يؤثر سلباً على صحة الدماغ والجسم. ثالثاً: فقدان القدرة على التركيز، وهو ما يُضعف الذاكرة ويُعيق عملية التعلّم. وأخيراً: الإدمان على الأجهزة، مما يؤدي إلى الانعزال عن العالم الخارجي.ويُوصي هايت بضرورة تأخير استخدام الهواتف الذكية والدخول إلى منصات التواصل الاجتماعي إلى ما بعد المرحلة المتوسطة، ويفضّل إلى مرحلة الثانوية. كما يشجع على تعزيز اللعب الجماعي بين الأطفال دون رقابة مباشرة من الأهل، لتطوير مهاراتهم الاجتماعية. كذلك، ينصح بتعاون الأهل بشكل جماعي لتأجيل تقديم الهواتف لأطفالهم. ويُضيف هايت أهمية سَنّ تشريعات قانونية تحمي الأطفال من مخاطر هذه المنصات، وتضع حداً أدنى للعمر المسموح به لاستخدامها.تحليق منفردأرى أن المأخذ الأكبر على أولياء الأمور في هذه الأيام، انشغالهم بطموحاتهم الوظيفية، وترك أطفالهم يقعون في فخّ إدمان الهواتف الذكية، لعدم امتلاكهم الوقت أو الطاقة لتنظيم برامج لعب وأنشطة اجتماعية لهم تُنمّي قدراتهم الجسدية والاجتماعية. وللأسف، وعلى الرغم من ارتفاع دخل الأسر الشابة وقدرتها على توفير احتياجات أبنائها من مأكل، وملبس، وتعليم، فإنها كثيراً ما تُقصّر في التربية النفسية والاجتماعية، وتترك الأطفال للأجهزة لتقوم بهذا الدور...!
محمد درويش
Opinion
الجيل القَلِق
08 يونيو 2025