ما يحصل اليوم بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وحليفه «السابق» القوي و«غريمه» الحالي إيلون ماسك، أمر بات يستقطب اهتمام العالم الذي يترقب التطورات، وينتظر من يكسر الآخر؟! صاحب السلطة الأقوى كدولة، أم أغنى رجل على الكوكب، بحسب قائمة الثروات المعلنة؟!وسط كل هذا، تذكرت «الستار» وما يحدث خلفه، إذ في كل مرة يطرأ فيها أمر جلل، انقلاب مفاجئ، أزمة مالية عالمية، صعود سياسي غير متوقع، هناك من يقول بأن «الدولة العميقة وراء ذلك»!«الدولة العميقة»، مصطلح قد يبدو مأخوذاً من أفلام الجاسوسية أو نظريات المؤامرة، لكنه في الواقع نشأ من واقع سياسي حقيقي؛ إذ قبل عقود، وفي إحدى الدول الكبرى (دون التطرق لأسماء)، بدأ الحديث عن أجهزة أمنية وعسكرية تعمل خارج سلطة الحكومات المنتخبة، تتحكم وتوجه دون أن تُحاسب. ومن ثم انتقل المفهوم إلى مسرح السياسة العالمي، واتسع ليشمل شبكات نفوذ خفية، تحالفات استخباراتية، شركات عملاقة، لوبيات مالية، وأجهزة إعلامية تمتلك قدرة هائلة على تشكيل الرأي العام.هذه القوى، لا تحكم بالدبابات ولا تنقلب على الأنظمة علناً. بل تمارس نفوذها بطرق أكثر دهاء، إذ هي تتحكم في المعلومات عبر الإعلام. تموّل حملات سياسية وتُسقط أخرى. تستخدم التسريبات والفضائح كأدوات ضغط. ترصد وتراقب وتستبق الأحداث بتكنولوجيا تفوق الخيال.بالتالي لا تندهش حينما تشهد إعادة رسم خرائط العالم فجأة، أو انهيار اقتصادات بين عشية وضحاها، أو بروز زعامات وتحالفات كأنها ظهرت من العدم.هناك فريقان تختلف قناعاتهما حينما يتناقشان بشأن «الدولة العميقة». الأول يؤمن بوجود شبكة متكاملة تحكم العالم من وراء الستار، والثاني يعتبرها أوهاماً تغذيها ثقافة المؤامرة.لكن الواقع يكشف بأن حقيقة المسألة «في المنتصف»، إذ بالفعل هناك قوى نافذة تؤثر في مجريات الأمور، ولكنها ليست بالضرورة موحدة أو متآمرة، بل متنافسة أحياناً، متضاربة المصالح كثيراً، وتعمل في الظل دون شعار واضح.الخطير هنا ليس وجود تلك القوى، بل كيفية التعامل معها، فالعقليات التي تُسلم بوجود «وحش خفي» لا يُهزم، قد تزرع اليأس، وتدفع نحو السلبية. لكن الفهم الواعي لفكرة الدولة العميقة يجب أن يكون دافعاً للمطالبة بمزيد من الشفافية، والرقابة الشعبية، وحرية الإعلام.المعركة الحقيقية ليست بين المجتمعات وبين «أشباح خلف الستار»، بل بين الجهل والوعي، بين التعتيم والوضوح، بين الخوف والشجاعة. وفي هذه المعركة، الفرد العادي ليس متفرجاً، بل لاعب رئيس بحسب قراره، شريطة أن يستوعب حقيقة ما يتم «إظهاره» أمام عينيه.
alshaikh.faisal@gmail.com
Opinion
الدولة العميقة.. من خلف الستار؟!
08 يونيو 2025