في طفولتي كنت متعلقة بشكل كبير باقتناء الدمى، خصوصاً التي تأتي مع مجموعة من الملابس الجميلة، حيث كنت أمارس طفولتي، مثل كثير من بنات جيلي، بلعب دور الأم وتبديل ملابس الدمية وتصفيف شعرها.

ولا أذيع سراً إذا قلت إنني، ولهذا الوقت، أحب اقتناء هذه الدمى، خصوصاً دمية باربي الجميلة، وبعض الدمى التي أشتريها أثناء رحلاتي للخارج.

ولكن، وقبل أيام، تفاجأت من صدمة صديقتي عندما علمت أنني لم أقتنِ إلى الآن دمية «لابوبو»، والتي أصبحت «ترينداً» عالمياً بعد ظهورها مع عضوة فرقة بلاكبينك، ليزا، وهو ما جعلها جزءاً من أسلوب حياة المشاهير في جميع أنحاء العالم.

صديقتي كانت مستغربة جداً: «معقول؟ ولا وحدة؟!» كأن غياب هذه الدمية عن رف في غرفة نومي يجعلني متخلفة عن العالم أجمع.

من هنا بدأ فضولي في البحث عن ماهية هذه الدمية التي تعامل وكأنها جواهر نادرة؟ بحثت، وقرأت، وحاولت أن أفهم.

وجدت أمامي وجهاً غريباً، يجمع بين اللطافة والغرابة، بأسنان بارزة وآذان مدببة وعيون كبيرة تنظر إليك كأنها تعرف شيئاً لا تعرفه، لابوبو ليست مجرد دمية، بل مخلوقاً هجيناً من وهم الطفولة وجنون التسويق.

تخيل أن تشتري دمية لا تتحدث، لا تتحرك، لا تلمع، ولا تصدر صوتاً.. تدفع مقابلها مئات الدولارات، ليس لأنها الأفضل، بل لأنها الأنسب اجتماعياً، وببساطة «لازم تكون عندك».

ذات الصديقة أخبرتني أنها دفعت أكثر من 100 دينار لشراء دمى من «لابوبو» لأبنائها، ليس لأنهم أحبوها، فهم حتى لا يعرفوا قصتها في الأساس، بل لأن أصدقاءهم يمتلكونها، وأصدقاؤهم امتلكوها لأنهم رأوها في يد أحد المؤثرات على إنستغرام، وهكذا تدور العجلة.

نحن لا نشتري لابوبو؛ بل نشتري الانتماء، نشتري القبول في هذه الحلقة اللامرئية التي تربطنا بالآخرين، عدوى جماعية تدفعنا لأن نلهث خلف منتج لا لشيء، سوى أنه «الآن»، وهنا يكمن الخطر الحقيقي.

الدمية التي ظهرت لأول مرة سنة 2015، من خيال الفنان كاسينغ لونغ، ضمن سلسلة مستوحاة من الأساطير الإسكندنافية، تحولت بفعل لمسة تسويقية سحرية إلى أيقونة معاصرة، لا أحد يتحدث عن أصلها الفني، أو عن علاقتها بالأسطورة، بل الكل يتحدث عمن يملكها الآن، من صورت معها؟ من حملها في أسبوع الموضة؟ من وضعها بجوار حقيبته في صورة عفوية "مدروسة” على تيك توك؟ومن هناك بدأت الحمى.

للأسف أصبحنا نبحث عن القبول في كل عملية شراء؛ من هاتف جديد إلى نكهة قهوة غريبة، من تطبيق نتظاهر أننا بحاجة إليه إلى قطعة ديكور لا نعرف أصلها، كل شيء في حياتنا بات مدفوعاً بفكرة واحدة؛ لا تكن مختلفاً..

بل كن مثلهم.

وأخيراً؛ ما يحسم في لحظة الوقوف أمام صندوق «لابوبو»، هو أكثر من مجرد قرار شراء دمية، هو اختبار خفي؛ هل نشتري لأننا نحب؟ أم لأننا خائفون من أن يقال عنا إننا لا نملك ما يملكه الآخرون؟