الرياضة من أسمى الأنشطة الإنسانية التي تجمع بين الشعوب، وتُجسد قيماً نبيلة كالتعاون، والاحترام المتبادل، والمنافسة الشريفة. غير أن هذه الساحة المفترض أن تكون منبعاً للسلام والتلاقي، كثيراً ما تُستغل للأسف في تأجيج الصراعات، نتيجة لظاهرة سلبية تُعرف بـ"التعصب الرياضي"، التي باتت تشكل تهديداً حقيقياً على الأفراد والمجتمعات.

التعصب الرياضي ليس مجرد حب جارف لفريق معين أو حماسة زائدة في التشجيع، بل انعكاس لحالة من الإغلاق الذهني ورفض الآخر، مهما كانت مواقفه منطقية أو آراؤه موضوعية. ومع تفاقمه، يتحول إلى سلوك عدائي قد يبدأ بالكلمات الجارحة، ويتصاعد ليصل إلى شجارات داخل الملاعب أو حتى إلى أعمال عنف في الشوارع.

لا تتوقف آثار هذا السلوك المتطرف عند الفرد المتعصب فقط، بل تمتد لتؤثر سلباً على الروابط الاجتماعية. فحين تتحول المنافسة إلى ساحة صراع، تنقسم الجماهير ويُزرع في النفوس شعور بالعداوة والتمييز. وقد تتعمق هذه الانقسامات حتى تؤثر في تماسك المجتمع، مهددة استقراره ووحدته.

والمؤلم في الأمر أن بعض المشجعين لا يرون في أنصار الفريق المنافس مجرد خصوم رياضيين، بل ينظرون إليهم كأعداء، مما يؤدي إلى فقدان القدرة على الحوار، وغياب الاحترام المتبادل. وتتفاقم المشكلة أكثر عندما تُستغل هذه الانقسامات من قبل بعض الجهات لخدمة أهداف سياسية أو اجتماعية ضيقة.

من أبرز العوامل التي تغذي هذا النوع من التعصب، ضعف الوعي الثقافي والرياضي، وغياب الفهم الحقيقي لما تعنيه الرياضة من قيم إنسانية. كما أن بعض وسائل الإعلام، بدلاً من أن تسهم في نشر التوازن، تعمل أحياناً على تضخيم الخلافات وإثارة المشاعر، من أجل جذب المتابعين دون اعتبار للعواقب.

إضافة إلى ذلك، قد يجد بعض الأفراد في الانتماء الرياضي وسيلة للهروب من مشكلاتهم الشخصية، فيحولون تشجيع الفرق إلى تعويض عاطفي أو نفسي. كما أن ضغط الجماهير والرغبة في تقليد السلوك الجماعي يساهمان في تصعيد الأفعال العنيفة وغير المنطقية.

التصدي لهذه الظاهرة يتطلب جهداً مشتركاً يبدأ من الأسرة والمدرسة، ويمر عبر الإعلام والمؤسسات الرياضية. إذ لابد من ترسيخ مفاهيم التسامح والاحترام الرياضي لدى الأجيال، إلى جانب دور الأندية واللاعبين في تقديم القدوة الحسنة داخل الملعب وخارجه.

كما يُعد تطبيق الأنظمة القانونية بحزم على كل من يمارس العنف، أو يحرض عليه خطوة أساسية، بالتوازي مع إطلاق حملات حوارية تهدف إلى إذابة الحواجز بين الجماهير وتعزيز الفهم المتبادل بينهم.

الرياضة ليست ميداناً للخصام أو التعصب، بل يجب أن تكون منبراً لتوحيد الصفوف وتعزيز العلاقات بين الناس. فالتعصب الرياضي، إذا تُرك دون مواجهة، قد يتحول إلى شرارة تُشعل نار العداء داخل المجتمع.

وفي نهاية المطاف، لا يُقاس الفوز بعدد الأهداف فقط، بل بقدرتنا على الحفاظ على أخلاقنا وإنسانيتنا في كل موقف. وعليه ليكن التشجيع وسيلة للسعادة، لا سبباً للتفرقة، ولتكن الرياضة جسراً للتلاقي، لا حاجزاً يُقسمنا.