هذا صراع بين طرفين، لكل منهما «أحلام توسعية» وضعت منذ عقود، وهما يعملان وفقها كأساس لكل شيء.
إيران ومنذ مجيء الخميني وضعت هدفاً رئيساً لها يتمثل بالتمدد وابتلاع منطقة الخليج العربي والشام، وفي المقابل إسرائيل لديها هدفها الذي لا تتحرج من إعلانه بشكل صريح، وهو إنشاء إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل.
وبناء على ذلك، هناك من يتساءل وهو يرى القصف المتبادل والمواجهة بين الجانبين، ما شأننا بالذي يحصل؟!
المشكلة هنا بأن المنطقة تدخل مرحلة أكثر هشاشة وتعقيداً. فالوضع متمثل بقصف متبادل، هجمات سيبرانية، وميليشيات تتحرك بالوكالة. ورغم أن هذه المواجهة تبدو -كما أسلفنا- في ظاهرها شأناً يخص طرفين في اتجاه يبعد عن الخليج العربي، إلا أن الحقيقة تبين بأننا لسنا خارج دائرة التأثير، ولسنا بالضرورة محصنين من التداعيات.
زمن الحروب التي تقتصر على ميادين محددة ولّى؛ فالصراعات الحديثة لا تحترم الحدود، وتتسلل إلى العمق عبر الاقتصاد، والطاقة، والفضاء السيبراني، وحتى الأمن الداخلي.
لذلك فإن السؤال: «هل نحن معنيون بهذه الحرب»؟! ليس سوى تبسيط مفرط لوضع بالغ التعقيد. والجواب الواضح هنا بأننا نعم معنيون، شئنا أم أبينا.
الوجود الإيراني في جوارنا الجغرافي والسياسي، وتنامي النفوذ الإسرائيلي في المنطقة، يجعل من دول الخليج طرفاً غير مباشر في هذا النزاع المحتدم. نعم، قد لا نكون مشاركين عسكرياً، لكننا بالتأكيد عرضة لهزات هذا الصراع.
أثر هذه المواجهة علينا يتجلى في ثلاثة مستويات رئيسية، كالتالي:
أولاً الاقتصاد والطاقة. إذ أي اضطراب في مضيق هرمز أو البحر الأحمر قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط وتراجع الاستقرار المالي، وهو ما يؤثر مباشرة على دول تعتمد بشكل رئيسي على تصدير الطاقة، كما هو حال أغلب دول الخليج.
ثانياً التهديدات الأمنية. حيث إن سجل المنطقة يُظهر أن أي تصعيد كبير بين إيران والأطراف المقابلة لها غالباً ما يقابله تحريك لأذرع طهران في أماكن أخرى، وقد تكون بعض دول الخليج بين أهدافها المحتملة، إما لاعتبارات سياسية أو لكونها شريكة استراتيجية للغرب.
ثالثاً الاصطفافات الدولية. وأعني بأن الخليج ليس جزيرة معزولة عن المعسكرات الدولية. تحالفاته مع الولايات المتحدة والغرب تجعله عرضة لتبعات الصراع، سواء عبر الحراك السياسي، أو التوقعات العسكرية، أو حتى التهديدات من الطرف المقابل.
في مواجهة هذا الواقع، ليس من الحكمة الركون إلى الحياد السلبي. المطلوب ليس التورط في الصراع، بل بناء قدرة حقيقية على الحماية والردع. وهذا يبدأ بتعزيز الدفاعات السيبرانية، ورفع الجاهزية الأمنية، وتكثيف الجهد الدبلوماسي لتفكيك ألغام الحرب قبل انفجارها.
الخليج، بمكانته الاقتصادية وموقعه الاستراتيجي، قادر على لعب دور مؤثر في تخفيف التصعيد، وربما في الدفع نحو مسار سياسي أقل خطورة.
لكن ذلك لن يحدث ما لم نواجه الحقيقة بوضوح، إذ هذه الحرب ليست بعيدة عنا، إنها تطرق أبوابنا كل لحظة، وإن لم تكن بصوت الصواريخ، فبهمس الأسواق واهتزاز الأمن.
البقاء خارج دائرة النار لا يتحقق بالتمني، بل بالتخطيط الواعي والموقف المسؤول. فالمعركة بين تل أبيب وطهران، وإن لم نكن نرغب في أن نكون طرفاً فيها، قد تفرض علينا تحديات تستحق أن نكون مستعدين لها.