في التاسع من أبريل من سنة 2011 كتبت مقالا في صفحة منبرك تحت عنوان الثورات و الثروات العربية تحدثت فيه عن الوضع آنذاك بدول الربيع العربي و عن التدخل العسكري لحلف الناتو بليبيا، تدخل طرح الكثير من الأسئلة ومن بين أهم هذه الأسئلة لماذا ليبيا بالضبط؟ و لماذا لم يتدخل الناتو في اليمن؟ الأجوبة كانت واضحت للعيان على أن الدول المشكلة لهذا الحلف تبحث عن مصالحها الخاصة لا أقل و لا أكثر، و أنها لم تدخل لليبيا من أجل الأمن و الاستقرار و تخليص هذا البلد من نظام جائر أكثر مما دخلت من أجل ثروة ليبيا النفطية، و رغم المبررات الواهية التي كان قدمها الحلف قبل بدء عملياته، انكشفت الحقائق خلال التدخل من خلال قتل مدنيين و التحجج بالخطأ الغير المقصود، وبعد التدخل من خلال مطالبة بعض أو بالأحرى كل دول الحلف ليبيا بتعويضات عن الجنود الذين قضوا حتفهم اثناء التدخل. تستمر الأحداث و يرتفع عدد قتلى نظام الأسد المجرم و يلتزم العالم الصمت و معه حلف الناتو الذي من بين الأهداف التي أسس من أجلها سنة 1949 حماية دول العالم بشكل عام و حفظ أمنها و استقرارها، حلف الناتو لم يلتزم الصمت فحسب بل ضرب بمبادئه و الأهداف التي أسس من أجلها و العرب عرض الحائط في آن واحد، العرب، نعم العرب الذين يكتفون بالتنديد، العرب الذين لا يملكون حلفا عربيا، العرب الذين يصرفون المبالغ الباهظة في اللعب و الفساد، العرب الذين اختاروا الخنوع والمذلة، العرب الخارجين من الأندلس بعد أن دخل الخمر و الرقص قصورهم، العرب الذين وزعوا كغنائم خلال الحروب العالمية بين بني الأصفر، العرب الذين تقبلوا برحابة صدر نظرية فرق تسد بعد شبه استقلالهم، حتى صاروا شبه أمة، شبه دول أو دويلات أو شبه جزر، و القادم أسوأ، فبعد أن قسموا السودان إلى نصفين بمقص الدين، ها هم اليوم يحاولون قص مصر بنفس المقص بعد أن أضافوا عليه بعض التعديلات و ربما لن تصل إبداعاتهم عند هذا الحد، و لن يتوقف مقصهم عن القص، فهذه مهنته و هو يحبها.فرنسا التي تحن إلى ماضيها الاستعماري في إفريقيا و باعتبارها عضوا فعالا في حلف الناتو لم تستشر أحدا في تطوير مقص فرق تسد لاستعماله في مالي المستعمرة القديمة الجديدة لفرنسا، الجماعات الإسلامية، الإرهاب، الانفصاليين، الأمن، الاستقرار، الصداقة بين البلدين، كلها مصطلحات استغلتها فرنسا و زعمائها في تبرير تدخلهم بمالي، العرب و المسلمين هم كذلك ساهموا فيما يقع في مالي الآن بأموالهم، و حتى من لم يكشف عن مساعدته لمالي أو بالأحرى لفرنسا تكفلت هي بعناء التصريحات فتكلف وزير خارجيتها بالإفصاح عن كل مؤيديه في الحرب، و ها نحن اليوم نرى و نسمع ما يقع في مالي من قتل للمدنيين و تشريدهم و هدم مساكنهم الطينية، الأسوأ أن بعض زعماء هذه الدول العربية ممن ساهموا في حرب مالي الجارية يفتخرون بمساهماتهم بينما تعاني شعوبهم الويلات من جراء البرد القارس و الفقر المدقع و غلاء المعيشة، و الكثير الكثير. فرنسا و أصدقاؤها لا يعنيهم هؤلاء الذين يعانون حقيقة المعاناة، أما لوران فابيوس و خبرائه فهم منشغلون بالبحث عن ذهب و يورانيوم مالي و يقدم تصريحات مفادها أن قواتهم تتقدم بسرعة نحو الشمال وتسترجع المدن الواحدة تلو الأخرى دون مقاومة؟ كنكتة سيضحك الكثير من الناس حين يسمعون هذه التصريحات، لكن كقصة لا أظن أن مجنونا على وجه الأرض سيصدقك و لو اشتد جنونه، و الكل يعلم أن الإعلام الدولي ينهج سياسة تعتيمية حول ما يحدث في مالي، أما إعلامنا العربي كعادته منشغل بدبلجة المسلسلات المكسيكية و التركية و نقل مباريات قدم و التنقيب عن المواهب في فن الغناء و الرقص الماجن. بين هذا و ذاك واقع مرير و قتل و تدمير و استغلال و فساد و نحن نغرق في نوم عميق، ترانا متى سنصحى من هذا النوم؟ متى سنستفيق من غيبوبتنا؟ متى سنتغير؟ متى سنتحد؟ متى سنتفق؟ متى و متى؟ أم أننا سنضع أيدينا فوق الطاولات و نكتفي بصوت الببغاء الذي يكرر ما يقول الآخرون فقط و نسلم للأمر الواقع، و ليأخذوا ما يأخذون و ليقتلوا ما يقتلون، و ليدمروا ما يدمرون، و ليستنزفو من ثرواتنا ما يستنزفون، فإننا هكذا باقون، على العهد ماضون.بقلم: محمد مجواطmejouate@gmail.com