بينما تئنُّ غزة تحت ركام البيوت والذاكرة، وتضج المحافل الحقوقية بالتقارير عن جرائم حرب إسرائيلية موثقة، تقفز فجأة المواجهة مع إيران إلى صدارة المشهد، لتأخذ بيد الشرق الأوسط نحو حافة الخطر، سبعة أيام فقط كانت كفيلة بقلب المعادلات؛ من هجوم إلى حرب إقليمية شاملة تنذر بانفلات نووي وأزمة جيوسياسية غير مسبوقة.

لكن السؤال الأعمق وسط دخان الصواريخ: هل تحاول إسرائيل، عبر هذه المواجهة، نقل بوصلة الاهتمام العالمي بعيداً عن مساءلتها القانونية في غزة؟ وهل تسعى لإعادة إنتاج صورتها كضحية مهددة لا كمعتدية؟ المعطيات تشير إلى أن الضربة الكبرى على إيران لم تكن فقط ردّاً استباقيّاً على خطر نووي، بل جزء من عملية إعادة تموضع إعلامي، وفرض واقع نفسي جديد يعكس القوة في قالب مظلومية.

في المقابل، لم تصمت طهران؛ إذ أطلقت أكثر من 400 صاروخ باليستي و1500 طائرة مسيّرة، وأعلنت مرحلة جديدة من الردع الصاروخي، مؤكدة أن المشروع النووي لم يكن مجرد خيار تقني، بل ورقة سيادية ورسالة جيوسياسية تفيد: نحن لسنا هامشيين في معادلات ما بعد الهيمنة الأمريكية.

لكن هذه المواجهة ليست حرباً تقليدية بين قوتين، بل معركة تلتهم الإقليم بأكمله، وتهدد أمنه الغذائي، الطاقوي، والرقمي، تضررت في إيران أكثر من 40% من منصات الصواريخ، و15 ألف جهاز طرد مركزي، فيما قُتل ما يقرب من 600 شخص، بينهم علماء نوويون، أما في إسرائيل، فقد قُتل 25 شخصاً، وأُصيب أكثر من 800 شخص، وسُجّل أكثر من 18 ألف بلاغ أضرار، وبلغت التكلفة الاقتصادية المباشرة نحو 1.5 مليار دولار.

خلف كل هذا، تقف الشعوب خائفة، ضائعة، معلقة بين ركام الوطن وملاجئ الانتظار، الحرب ليست صديقة لأحد، ولا أطرافها مرغوب فيها من دول الخليج، التي لطالما اختارت نهج التنمية والاستقرار بدلاً من المغامرة والصراعات.

وهنا تبرز البحرين كدولة كبيرة برؤيتها، من خلال عضويتها في مجلس الأمن الاقتصادي الدولي، وتحركاتها الدبلوماسية الهادئة، تعمل المنامة على خلق توازن دقيق بين الأمن الداخلي والمشاركة الإقليمية، رفعت جاهزيتها السيبرانية، عززت أمنها الغذائي، وشجعت عبر التنسيق الخليجي على مبادرات للتهدئة الإقليمية.

إن ما يميّز البحرين، وسائر دول الخليج، هو إدراكها أن الحروب الكبرى تبدأ بفعل محدود، ولكنها تنتهي بكارثة لا تُبقي ولا تذر، ولهذا فإن تبني مبادرة خليجية لوقف إطلاق النار، ومقترح «مؤتمر إقليمي للتهدئة»، مع الدعوة لتحالف دولي لحماية المنشآت النووية المدنية، هو الحل الثالث العقلاني الممكن.

وفي هذه اللحظة الحرجة، يتجلى دور الشعوب في استعادة البوصلة: فالعدو الحقيقي ليس الآخر الجغرافي، بل الفقر، والجهل، والتطرف، وعلى الأمم المتحدة ألا تكتفي بلعب دور المراقب، بل أن تبادر بتفعيل آليات الحماية الإنسانية، وتقديم مبادرات أمن جماعي جديدة تضع الإنسان في صلب القرار.

في زمنٍ ترتفع فيه حرارة الأرض والإنسان، نحتاج إلى من يُبرد نار الجنون السياسي، وفي لحظة تتسابق فيها الصواريخ، نحتاج إلى من يسبقها بالعقل، بالكلمة، وبالضمير، هذه ليست معركة منتصرين، بل لحظة إنقاذ.. لمن بقي من الحلم، ولمن ما زال يؤمن بأن السلام ليس مجرد هدنة بين حربين، بل خياراً أخلاقياً واستراتيجياً لا غنى عنه.

* إعلامية وباحثة أكاديمية