كتب ـ عبدالرحمن محمد أمين:قال الفنان والكاتب المختص بالتراث راشد المعاودة، إن لؤلؤ البحرين تحوّل لقلائد بمعاصم الأميرات وقلائد بنحور ملكات العالم عبر التاريخ، لافتاً إلى أن سفن المملكة وصلت إلى سنغافورة وسيلات وعادت محمّلة بالذهب والأحجار الكريمة. وأضاف المعاودة في ندوة أُقيمت بمجلس سامي الشاعر بمنطقة قلالي مؤخراً، أن البحرين ساهمت في الحضارة العالمية منذ 3 آلاف سنة مضت وحتى حقبة استخراج اللؤلؤ وكان يطلق عليها «عيون السمك».ونبّه إلى أن حكومة البحرين اهتمت باللؤلؤ الطبيعي واستخدمت أختاماً خاصة به لحماية مستخدميه من الغش والخداع، مطالباً الجهات المسؤولة بحفظ ما تبقى من تراث بحريني أصيل.ووجه شكره لوزيرة الثقافة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة على إنجازاتها في تطوير الأماكن والبيوت التراثية، وناشد وزارة التربية والتعليم الاهتمام بالتراث البحريني وإدخاله ضمن مناهجها التعليمية.صناعة السفن في البحرينوقال المعاودة إن البحرين ساهمت في صناعة السفن، واستخدمت فيها الجص والدهن والصل والودج، مشيراً إلى أن السفن المصنّعة في المملكة كانت تُخصص للاستعمال الداخلي أو التصدير للخارج.ولفت إلى أن البحرين عرفت الأخشاب وكانت تستوردها من دول معروفة مثل النيبار وكلكوت في الهند، وكانت السفن تنقل التمور من البحرين إلى باكستان وتعرف في ذلك الوقت بـ»كراتشي» ومنها تُنقل إلى سواحل بومباي بالهند.وأضاف أن العلاقة بين البحرين ومنطقة نيبار كانت قوية ومتينة، حيث كان الشباب من البحارة يتزوجون من النيباريات لأن سفراتهم تدوم 6 أشهر وتزيد، حيث يحضر بعضهم زوجته إلى البحرين أو يدعها تقيم في بلدها وكان ذلك في أربعينات وخمسينات القرن الماضي.ونبه المعاودة إلى أن الرحلات البحرية جعلت من البحرين محطة عالمية مهمة، موضحاً أن «سفن البحرين وصلت إلى سنغافورة وسيلان وعادت محمّلة بالأحجار الكريمة، وصنعت الذهب واللآلىء وطعمته بالأحجار الكريمة وهذا موثّق بالصور في متحف البحرين الوطني».وقال إن البحرين عرفت أشياء كثيرة من خلال اتصالها بالعالم، حيث إن بعض الديانات والاعتقادات وصلت للبحرين مثل عبدة الأصنام، وقبل الإسلام جاءت قبيلة بني قيس وانتشرت في المنطقة بعد انهيار سد مأرب فاحتضنتها البحرين، وشاعت بين البحرينيين كلمات لم يألفوها مثل «بنتج، أختج» والجمل «رحلبج» و»بهليج» وهي كلمات يمنية صرفة.الحضرمي فتح البحرينويواصل المعاودة «النبي صلى الله عليه وسلم عندما أمر أبو العلاء الحضرمي بفتح البحرين، أحضر معه جماعته من الحضارمة واليهود «أصحاب الأخدود» المذكورين في القرآن الكريم وجلبوا معهم موسيقاهم ومعزوفاتهم وديانتهم».وأضاف «بعدها جاءت المسيحية واستوطنوا منطقة الدير، وهي موقع بيت الشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة القائم حالياً، وكان الموقع يسمى «الراهب» وهو مكان يسكن فيه «الرهبان» هذا بخلاف من وجدت في المعابد».ويسرد المعاودة تاريخ البحرين «البرتغاليون جاء بعد ذلك، وقبلهم حكم المنطقة أناس يعرفون بـ»الجبور»، البحرين كانت تأخذ وتعطي، ومن ذلك الوقت صنعت البحرين سفن البوم والبكاره والشوكي، ودخلت عالم صناعة الحديد وصنعت «البورة» التي تمسك بالسفن عند الشواطئ وصدرتها للخارج».ولفت إلى أن البحرين استغلت ليف النخيل في صناعة الحبال وصدرته للعالم، مضيفاً «منذ ذلك الحين والبحرين ما تزال محط امتزاج حضارات».وقال «شعب البحرين ليس عادياً، تعامل مع الدول كافة أخذ منها وأعطاها وهذا نتاج الحضارة دوماً، بعدها اتجه أهل البحرين إلى السفر وكانت السفن الكبيرة تخرج من البحرين محملة بالبضائع، وصاحب السفينة يعين أحد أولاده «نوخذا»، وتتجه السفن لأصقاع الأرض لبيع ما لديها وتُحضر من هناك ما تفقده البحرين وما تحتاج إليه».وأردف «أحد البحارة المشهورين بالصدق والأمانة والمعرفة، كان يقود سفينة تضم 30 بحاراً بينهم النوخذا والمجدمي والصفواني والطباخ وصاحب الدبوس «مخزن الأطعمة»، وكانت السفن تبحر من البحرين متجهة إلى الكويت ومنها إلى البصرة وبعضها يتجه إلى مسقط ثم أفريقيا، وتُنزل في كل محطة البضائع وتُحمّل ما تحتاجه البحرين».وتابع المعاودة «عند عودة السفن إلى البحرين يكون التجار في انتظارها في وقت يعتبر مباركاً عندهم، خاصة أن السفن مثقلة بما يحتاجه الناس مثل «الوزار» اللباس الشائع حينها لدى البحارة، وأنواع العطور وأدوات الزينة على اختلاف أنواعها، حتى إن النساء كن ينتظرن أزواجهن وهم يحملون لهن الهدايا والنفائس، وحتى أصحاب العمارات كانوا ينتظرون لاستلام ديونهم المقدمة للبحارة، وتجار اللؤلؤ كانوا في لهفة لشرائها، وبعدها يرسل بعض التجار اللؤلؤ إلى بومباي».رائد الحركة الفنيةوأشاد الفنان محمد الجزاف في مداخلته بعد المحاضرة، بدور المعاودة في إحياء الحركة الفنية والتراثية في البحرين، من خلال تأليف المسرحيات الدرامية وتقديمها على خشبة المسرح ومنها «بيت طيب السمعة» و»سبع ليالي» و»توب توب يا بحر»، واصفاً إياه بـ»بنك الكلمة الشعبية».وأعرب عن أسفه لتقصير الإعلام في إبراز تراث البحرين، مضيفاً «عندما سجلنا مسرحية «توب توب يا بحر» في أول إنتاج مسرحي ملون في تلفزيون الكويت، ووضع علم الكويت على السفينة، وعندعودتنا قيل لنا لماذا وضع علم الكويت بدلاً من علم البحرين؟ فأجبناهم أن الكويتيين هم من صوروا المسرحية ومن حقهم وضع علمهم». وأثرى الفنان يوسف الشوملي الجلسة بأغنياته الشعبية ذائعة الصيت، ومما زاد رواد المجلس فرحاً وسروراً اهتمام صاحب المجلس سامي الشاعر وحسن استقبال ضيوفه والترحيب بهم، وما قدمه لهم من أطباق شعبية محببة عند الجميع وبإشراف «أم محمد» المعروفة في منطقة الحد بصنع الهريس والعكيلي وكرس الطابي والكباب والخنفروش واللقيمات والخبز الأحمر الممزوج بالتمر بجانب النخي واللوبه.