انقلب المشهد من ترقب مشوب بالحذر إلى انفجار عسكري حقيقي، بعد أن خرقت الولايات المتحدة موقفها المعلن سابقاً بعدم التدخل، لتقوم بعملية جوية نوعية استهدفت منشآت نووية إيرانية، وعلى رأسها مفاعل «فوردو»، أحد أعقد وأهم المنشآت الاستراتيجية لدى إيران.
التدخل الأمريكي لم يكن مفاجئاً فقط من حيث توقيته، بل من حيث الرسائل التي حملها لطهران والعالم بأن فترة ضبط النفس الأمريكي قد انتهت، وأن خيار المواجهة بات على الطاولة كخيار فعلي، وليس كأداة ضغط سياسية.
في المقابل، تظل ردود الفعل الإيرانية ضمن دائرة التوقعات المتعددة، من استهداف محتمل للقواعد الأمريكية في الخليج، إلى تحريك القوى التابعة لطهران في عدة مناطق، مما يفرض تحديات كبيرة على الدول المجاورة.
وفي هذا الإطار، أظهرت البحرين مستوى متقدماً من الاستعداد والمرونة في إدارة الموقف. الإجراءات الاحترازية التي تم الإعلان عنها تعكس إدراكا عميقاً لطبيعة التهديدات، حيث بادرت المملكة إلى تطبيق نظام العمل عن بُعد بنسبة 70% في المؤسسات الحكومية، واعتمدت التعليم الإلكتروني كإجراء وقائي في المدارس والجامعات، إضافة إلى توجيهات وزارة الداخلية المتعلقة بتنظيم استخدام الطرق الحيوية، بهدف تقليل الحركة والتجمعات تحسبا لأي طارئ.
الرسالة التي تبعث بها هذه التحركات واضحة، فالبحرين ترصد التطورات بعناية وتتحرك على نحو مدروس، دون تهويل أو تهوين.
ويُعزز من هذا النهج ما صدر عن المجلس الأعلى للبيئة من تطمينات تؤكد خلو الأجواء من أي إشعاعات غير طبيعية، واستمرار عمليات الرصد البيئي بالشراكة مع مؤسسات دولية، منها الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ورغم دقة هذه الإجراءات، إلا أن الدور الفردي يظل عنصراً محورياً في إدارة المرحلة. فالمعركة اليوم لم تعد مقتصرة على السياسة والسلاح، بل تشمل أيضاً معركة وعي.
فالالتزام بالمعلومات الموثوقة، واتباع التعليمات الرسمية، وتعزيز الوعي الوقائي، كلها عناصر أساسية في الحفاظ على الأمن المجتمعي.
اليوم نجد أنفسنا أمام امتحان فعلي لمدى جاهزية الدولة والمجتمع في مواجهة التحديات الإقليمية. فعبور هذه المرحلة بسلام يتطلب تضافراً بين المؤسسات والمواطنين، وهو ما بدأت البحرين في ترسيخه على أرض الواقع. فالاستقرار الداخلي لا يُصنع بالصمت، بل بالفعل المسؤول، والجاهزية، والإدراك الجماعي.
مع استمرار بلادنا في هذا النهج المتزن، فإنها تمهد الطريق لتجاوز العاصفة القادمة بأقل الخسائر الممكنة.
والله يحفظ الجميع بحفظه ويبعد عنا هذه الأخطار، ويكتب لهذه الحرب النهاية السريعة دون تداعيات ومخاطر تقلق أمننا وحياتنا.