لم تعد المساعدات الإنسانية مجرد تقديم إغاثة عاجلة، بل تحولت إلى رؤية شاملة تضع كرامة الإنسان واستقلاليته في صميم العمل الإنساني. هذا النهج هو ما تبنته مملكة البحرين بوضوح، وجسّدته من خلال مشاركتها الفاعلة في المؤتمر الإنساني الدولي الذي نظمته منظمة الصحة العالمية في جنيف.
في المؤتمر الدولي للشؤون الإنسانية والاجتماع السنوي للجزء الإنساني من المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة (ECOSOC HAS) والذي عقد في مدينة جنيف، بمشاركة رفيعة من الدول الأعضاء، ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية، وممثلي المجتمع المدني والقطاع الخاص، ترأس وفد البحرين الشيخ علي بن خليفة آل خليفة، الأمين العام للمؤسسة الملكية للأعمال الإنسانية الذي أكد على أن التضامن البحريني يتجسد في استجابات إنسانية متكررة وفعالة من خلال تقديم المساعدات الإيوائية والغذائية والصحية والتعليمية والنفسية وغيرها من الاحتياجات الأساسية، فالبحرين لم تكن جهة مانحة فقط، بل شريكاً فاعلاً في بناء حلول مستدامة.
اللافت ما جاء في هذا المؤتمر الهام هو التأكيد على الحاجة لإعادة ضبط العمل الإنساني ليستجيب بشكل أكثر فعالية للأزمات، وتعزيز مبدأ القيادة المحلية وتحفيز الشراكات المبتكرة بين الفاعلين المحليين والدوليين، إلى جانب تحسين التنسيق وتوجيه التمويل نحو الأولويات المجتمعية، وتعزيز احترام القانون الدولي الإنساني.
تشير مبادرات البحرين إلى تحول هام في فلسفة العمل الإنساني، حيث لم تعد المساعدات تُقاس بكميتها، بل بأثرها المستدام على حياة المستفيدين، مثل البرامج التي تُعزز التعليم، الصحة، والتمكين الاقتصادي والاجتماعي والتي تضع الإنسان في مركز القرار، وهو ما يجعله شريكاً لا متلقي فقط.
إن هذا التوجه يأتي مواكباً لمفاهيم إنسانية حديثة تتبناها المنظمات الدولية الكبرى مثل الأمم المتحدة والصليب الأحمر، فهناك ضرورة ملحة لتمكين الإنسان وتمثيله في جميع مراحل الدعم، مع احترامه وحياد المساعدات المقدمة له عند الحاجة وأين ما يكون.
المفارقة أنه في ظل وجود رؤية إنسانية عالمية متطورة ، تكشف مأساة غزة -كنموذج- عن وجه مظلم للتضارب في المعايير الإنسانية العالمية، ففي غزة، تتعرض حقوق الإنسان لانتهاكات مستمرة وسط صمت دولي يعكس أزمة حقيقية في تطبيق القيم التي يُفترض أن تكون عالمية وغير قابلة للمساومة، هذا التضارب بين الخطابات والممارسات يُبرز الحاجة الملحة إلى إعادة تقييم جادة للمعايير الدولية، لضمان أن الكرامة لا تبقى مجرد شعار، بل تصبح حقاً يُمارَس بحُرية وعدالة للجميع، بغض النظر عن الموقع الجغرافي أو الانتماء السياسي.
وعودا على بدء فإن هذا المؤتمر الهام طرح موضوع أهمية وصول المساعدات إلى من هم في أمس الحاجة بأسرع وقت وأكبر اثر ، والبحرين دائماً ما تقدم نفسها كنموذج يُحتذى به في العمل الإنساني، يربط بين المبادئ والواقع، ويؤكد على أن الدعم الحقيقي هو الذي يرفع من كرامة الإنسان، وقصص النجاح كثيرة لصناع هذا التميز .
ختاماً، تبقى الكرامة الإنسانية اختباراً حقيقياً لنزاهة القيم التي يرفعها العالم، وتحدياً أمام المجتمع الدولي لتوحيد موقفه، وتطبيق مبدأ العدالة والإنسانية بلا انتقائية، فالأمل في عالم أفضل يبدأ من احترام الإنسان في كل مكان، وهو ما يعتبر اختبارا صعبا لم يتم اجتيازه بعد!