كنت أظن مثل الكثيرين أن الأحلام تنتهي عند حدود الورق، أو تنام في دفاتر المراهقة، لكن الواقع اليوم يكذب هذا الاعتقاد، واقع تمثل في «مدينة شباب 2030»، الفكرة البحرينية التي بدأت كمشروع وطني طموح، حيث أثبتت على مدى أكثر من عقد أن بعض الأحلام لا يكفي أن تتحقق فقط، بل تنمو وتتمدد وتلهم.. وتغير.

النسخة الرابعة عشرة من المدينة تحت شعار «أبعد من الأحلام»، وكأنها تقول لنا من جديد؛ إن ما ظنناه مستحيلاً ذات يوم، قد يصبح منصة تدريبية واقعية، تحتضن آلاف الشباب، وتحول أفكارهم إلى مشاريع وشغفهم إلى مهارات، وطموحهم إلى مسارات واضحة في الحياة.

في كل نسخة من نسخ مدينة شباب 2030، والتي تابعتها عن قرب طوال السنوات الماضية، كانت هناك قصة تكتب بهدوء؛ شاب كان يظن أنه بلا موهبة يكتشف نفسه في ورشة للإعلام؛ فتاة تعاني من رهبة الجمهور تتحول إلى متحدثة بارعة على خشبة مسرح، طفل يعشق البرمجة، لكنه لا يعرف من أين يبدأ فيجد نفسه محاطاً بمن يؤمنون به ويأخذونه نحو المستقبل.

شخصياً أعرف بعضهم والتقيت بهم، واليوم هم في جامعات عالمية، أو يديرون شركات ناشئة، أو يقفون بكل فخر على مسارح إقليمية وعالمية لعرض أفكار بدأت من هنا، من قلب «مدينة شباب 2030».

ما يلفتني هذه المرة أن المدينة لم تكتفِ بتكرار النجاح، بل قررت أن تُطوّر نفسها لتواكب كل ما يدور من حولها، أكثر من 70% من برامجها صارت تعتمد على الذكاء الاصطناعي. هناك اهتمام واضح بالصحة النفسية، وكأنها تقول؛ ندربكم على العمل ونرعاكم كأشخاص. وهي رسالة نادرة في زمن صارت فيه الضغوط تسبق الطموحات.

في زوايا المدينة هذا العام، 84 مشروعاً شبابياً ريادياً جاهزاً للعرض أمام الزوار، هذه ليست مجرد أرقام، بل قصص من لحم ودم، تعب وجهد وسهر وترجمة حقيقية لمفهوم «التمكين» كما يجب أن يكون.

وما يجعل التجربة أكثر دفئاً، هو أن من يدير هذه المدينة ليسوا موظفين بيروقراطيين، بل شباباً متطوعين، بلغ عددهم هذا العام 248 شاباً وشابة، وجميل أن وزارة شؤون الشباب لا تكتفي بمنحهم الفرصة، بل تؤهلهم وتدربهم ليكونوا على قدر المهمة.

«مدينة شباب 2030» ليست فعالية عابرة في تقويم الصيف، وليست مجرد برنامج تدريبي، بل أقرب ما تكون إلى ورشة وطنية حية، تصنع جيلاً مؤمناً بقدراته متصالحاً مع ذاته ومندفعا ًنحو غد لا ينتظر فيه من يرسم له الطريق، بل يرسمه بنفسه.

ربما لم نعد بحاجة لكلمات كبيرة لوصف هذا المشروع، فكل من زار المدينة، أو عرف أحداً تغيّرت حياته بسببها، يدرك أن الحلم حين يدار بعقل وفلسفة وشغف يمكنه فعلاً أن يذهب أبعد من الأحلام.