تزخر حياة الصحابة بالكثير من القصص والبطولات التي تؤكد التضحيات الصادقة التي قدموها للرسول - صلى الله عليه وسلم - إذ نصروا الإسلام ودعموا الرسول لتبليغ الرسالة وتوصيل الإسلام إلى شتى أنحاء الأرض.
ومن هؤلاء الصحابة المبشرين بالجنة أمين الأمة أبو عبيدة بن الجراح، الذي يعتبر من السابقين للإسلام.
من هو أمين الأمة؟
كان أبو عبيدة بن الجراح من أوائل السابقين في الإسلام، إذ أسلم في اليوم التالي من إسلام أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - وأسلم على يده، إذ أسلم في بداية الدعوة قبل الهجرة بـ13 سنة، وهاجر الهجرتين مع رسول الله وشهد غزوة بدر وما بعدها.
كان الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - يحب أبو عبيدة بن الجراح حبًا جمًا، وكان يقول: "نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر، نعم الرجل أبو عبيدة بن الجراح، نعم الرجل أسيد بن حضير، نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس، نعم الرجل معاذ بن جبل، نعم الرجل معاذ بن عمرو بن الجموح".
لماذا لُقب أبو عبيدة بأمين الأمة؟
لًقب أبو عبيدة بأمين الأمة من قبل النبي محمد لعلمه بنزاهته وصدقه وحسن أخلاقه، فكان يضع مصالح الأمة قبل مصالحه الشخصية، ولا يتوانى عن التضحية لأجل الإسلام والمسلمين، إذ أظهر من الأمانة ما جعله يستحق هذا اللقب بجدارة.
ولقبه الرسول - صلى الله عليه وسلم - بهذا الاسم تجسيدًا لأخلاقه الرفيعة، حيث قال صلى الله عليه وسلم: "لكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح".
وفي يوم من الأيام، جاء وفد نجران من اليمن إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وطلبوا منه أن يرسل معهم رجلًا أمينًا ليعلمهم، فقال لهم: "لأبعثن معكم رجلًا أمينًا"، فحينها تمنى كل واحد من الصحابة أن يكون هو الأمين، لكن النبي قال: "قم يا أبا عبيدة".
أبو عبيدة يقتل أباه يوم بدر
لم يتخلف أبو عبيدة عن غزوة لرسول - صلى الله عليه وسلم - قط، وكانت له بطولات خارقة في الغزوات والمعارك، ففي غزوة بدر كان أبوه في جيش المشركين فتبارز الطرفان بالسيف حتى وقع الأب قتيلًا، حيث آثر أبو عبيدة حب رسول الله على حب أبيه، حتى أنزل الله تعالى فيه: {لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
أبو عبيدة يضرب مثالًا للتواضع وحسن الخلق
وفي غزوة ذات السلاسل، كان عمرو بن العاص أميرًا على جيش المسلمين الذي واجه عددًا هائلًا من الكفار، فأرسل ليطلب المدد من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأرسل إليه جيشًا فيه أبو بكر وعمر وأبو عبيدة أميرًا عليهم، ولما وصلوا إلى عمرو قال لهم: أنا أميركم، فقالوا: إنما أنت أمير أصحابك، وأميرنا أبو عبيدة"، فقال لهم عمرو: "إنما أنتم مدد لي"، فلما رأى أمين الأمة ذلك، قال: "تعلم يا عمرو أن رسول الله قال لي: إن قدمت على صاحبك فتطاوعا، وإنك إن عصيتني أطعتك"، وبهذا الموقف النبيل ضرب أبو عبيدة مثالًا عظيمًا للتواضع وحسن الخلق.
وفاة أبو عبيدة
توفى أبو عبيدة بن الجراح في السنة الـ18 من الهجرة في سن الـ58 عامًا، بعدما أصيب بمرض طاعون عمواس، وبعد وفاته صلى عليه معاذ بن جبل ثم دفن.