في حياة الشعوب لحظات لا تُنسى؛ لا تقاس بالسنين ولا بالأرقام بل بالأثر وبما أحدثته من تغيير في مجرى التاريخ، وما غُرِس في النفوس من قيم. ولاشك أن من أعظم الأيام الخالدة في مسيرة دولة الإمارات العربية المتحدة، يوم الثامن عشر من يوليو، اليوم الذي اجتمع فيه الآباء المؤسسون ليخطّوا بصدقهم وقلوبهم أول حروف الحكاية.في ذلك اليوم لم تكن التحديات قليلة ولا العقبات سهلة، فقد كانت المنطقة تمرّ بمتغيرات عميقة، والعالم يتشكّل من جديد، ومع ذلك، لم ينتظر الشيخ زايد طيب الله ثراه، أن تُملي عليه الأحداث شكل المستقبل، بل بادر، كعادته، والتقى أخاه الشيخ راشد بن سعيد، رحمه الله، ليزرعا أول بذور الاتحاد، بوثيقة نوايا، وثيقة قلوب، وثيقة مصير.واليوم، وبعد مرور أكثر من نصف قرن، نعود إلى «يوم عهد الاتحاد»، والذي تحييه دولة الإمارات العربية الشقيقة غداً، لنقف بإجلال أمام معنى الوفاء؛ وفاء القادة لبعضهم، ووفائهم للشعب، ووفاء الأجيال لهذا الإرث.وقد جاء توجيه سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، العام الماضي، بجعل هذا اليوم مناسبة وطنية باسم «يوم عهد الاتحاد»، إدراكاً منه أن البناء المتين يبدأ من الأساس، وأن الغرس لا يكتمل إلا حين تروى جذوره بالتقدير والفهم والوعي.في يوم 18 يوليو، لم تُعلن الإمارات بعد، لكنها وُلِدَتْ في الضمير، كانت تلك اللحظة بمثابة العهد الأول، لحظة التقاء العزائم على إقامة دولة تقوم على الإيمان بالوحدة وبالإنسان وبالمستقبل.يوم 2 ديسمبر هو يوم ميلاد الدولة، لكن 18 يوليو هو يوم كتابة أول حروفها، أن تبقى متحدة، لأن الاتحاد لم يكن مشروع حكم بل مشروع حياة، حيث قال زايد «الاتحاد هو طريق القوة، وطريق العزّة والمَنَعَة والخير المشترك، وإن الفرقة لا ينتج عنها إلا الضعف»، واليوم، نسمع صداها في صوت محمد بن زايد وهو يقول: «نستذكر خلال يوم عهد الاتحاد مسيرتنا، ونجدّد العهد على أن تبقى رايتنا خفّاقة، ووحدتنا هي السياج الحامي لمستقبلنا».«يوم عهد الاتحاد»؛ هو تذكير بأن كل ما تنعم به دولة الإمارات اليوم من أمن ورخاء وتقدّم، هو ثمرة قرار شجاع وموقف تاريخي اتخذه رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، هو يوم خالدٌ يجب أن يُدرّس لا كحدث سياسي، بل كقيمة وطنية وإنسانية، أن تعرف الأجيال أن كلّ برج في السماء، وكلّ شارع، وكل مدرسة ومستشفى ومطار، لم يكن ليقوم لولا أن هناك رجالاً اجتمعوا ذات يوم وأجمعوا على أن الوحدة طريق التطور والتقدّم والرفاه.فهنيئاً للإمارات بهذا اليوم، وهنيئاً لأبنائها بقيادة تكرم الماضي وتصنع المستقبل.
هيفاء عدوان
Opinion
يوم عهد الاتحاد الإماراتي.. تكريم للماضي وصنع للمستقبل
16 يوليو 2025