وسط الحراك العمراني المتسارع وتنامي تطلعات المواطنين، تمضي البحرين بخطى راسخة نحو تحقيق العدالة الإسكانية عبر برامج «تسهيل»، و«تسهيل+»، و«مزايا»، و«مزايا الفئة المستحدثة» التي أطلقتها وزارة الإسكان والتخطيط العمراني. هذه البرامج ليست مجرد حلول تمويلية، بل باتت مرآة لرؤية وطنية تنسجم مع توجيهات حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، الذي يؤمن بأن «المسكن الآمن هو حق أصيل لكل مواطن»، ويترجمها باهتمام ومتابعة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، الذي يضع الملف الإسكاني في صدارة السياسات التنموية.ومن المهم استعراض ما يُثبت وجود تحولات رقمية تعبّر عن تحول فكري منذ عام 2022، حيث تجاوزت عدد الطلبات المقبولة 10 آلاف، منها 2,584 خلال النصف الأول من العام الجاري. وبلغت نسبة التحويل من قائمة الانتظار إلى التمويل الفوري 82%، في إنجاز يكشف عن نهج جديد في إدارة الخدمة الإسكانية، يقوم على الكفاءة والعدالة وتجاوز البيروقراطية، ما يُعيد الثقة للمواطن في فعالية المبادرات الحكومية، ويُثبت نهج الابتكار والتغيير والتطوير.تناولت الدراسات العلمية موضوع السكن وتأثيره منها ما ورد في دليل منظمة الصحة العالمية لعام 2018، ودراسات منشورة عبر منصات عالمية تؤكد أن السكن لا ينفصل عن الصحة النفسية. فالاكتظاظ، وضعف التهوية، وانعدام الخصوصية عوامل تؤدي إلى زيادة التوتر والقلق والاضطراب السلوكي، خصوصاً لدى الأطفال. وفي المقابل، يوفر المسكن المستقر مساحة للهدوء والتعافي والتواصل الأسري الصحي، وهو ما تدعمه نتائج دراسة علمية تؤكد رصد تحسين البيئة السكنية وخفض معدلات الاكتئاب والقلق بنسبة تفوق 40%.العالم يزخر بالتجارب الإبداعية، وثمّة تجارب ملهمة تُثبت أن الحلول ممكنة وليست مستحيلة، فهناك الكثير من التجارب التي تُعتبر نموذجاً عالمياً في حل أزمة السكن، إذ ارتفعت نسبة التملّك من 29% إلى 91% خلال خمسة عقود في سنغافورة، بفضل التمويل الحكومي المدروس. وفي الولايات المتحدة، توفّرت مساكن بأسعار معقولة مع الحفاظ على مِلكية الأرض للأجيال القادمة. أما الهند، فقد أبدعت بمنازل تكلفتها منخفضة وفي وقت قياسي. هذه النماذج تُعلّمنا أن الابتكار والإرادة السياسية كفيلان بتغيير المعادلة الاجتماعية.ولا يمكن الحديث عن هذه المنجزات دون الإشارة إلى الجهود الحثيثة التي تبذلها سعادة السيدة آمنة بنت أحمد الرميحي، وزيرة الإسكان والتخطيط العمراني، التي وضعت ملف الإسكان على رأس أولوياتها باعتباره من أعقد الملفات الوطنية وأكثرها ارتباطاً بجودة الحياة والاستقرار الاجتماعي. لقد قادت تحوّلاً جذرياً في آليات تقديم الخدمة، ونجحت في صياغة برامج مرنة ومبتكرة تتلاءم مع مختلف شرائح المجتمع، مدعومة بشراكات استراتيجية مع القطاع الخاص، لتوفير خيارات متنوعة تلبّي احتياجات المواطن البحريني على اختلاف ظروفه، ورغم التقدّم الملموس، فإن مراجعة نِسَب الفوائد البنكية على السكن الأول باتت ضرورة ملحّة. فتخفيف الأعباء المادية عن الأُسر البحرينية، خاصة في مرحلة التأسيس، يمنحها فرصة للتوازن الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي، فالأمل دائماً بمراجعات وخيارات تُتيح المزيد من التسهيلات، بقصد خدمة الناس كأولوية وليس من أجل تحقيق العوائد والأرباح.لقد نجحت وزارة الإسكان والتخطيط العمراني في بناء منظومة تعاون فعّالة مع البنوك التجارية وشركات التطوير العقاري، أثمرت عن عروض حصرية، وسرعة في الإجراءات، وزيادة في المعروض العقاري بما يتناسب مع قيمة التمويلات. هذا التكامل يُمثّل نموذجاً اقتصادياً واجتماعياً رائداً يليق بالمواطن البحريني، فالمسكن هو بداية لقصة حياة.. مستقرة، كريمة، ومثمرة.
سماح علام
Opinion
التمويل الإسكاني.. حجر الأساس للحياة الكريمة
16 يوليو 2025