بدأ الذكاء الاصطناعي يتحول من فكرة مستقبلية إلى واقع ملموس يغير شكل سوق العمل حول العالم.

ومع تسارع اعتماد الشركات على أدوات الذكاء الاصطناعي لأداء مهام كانت تعتبر حكرًا على البشر؛ بدأت تظهر آثار مباشرة على حجم فرص العمل ونوعيتها خاصة في القطاعات التي تعتمد على التحليل، الإدارة، والخدمات الرقمية.

تقليص الوظائف المتأثرة بالذكاء الاصطناعي

تظهر البيانات الحديثة من المملكة المتحدة أن الوظائف المعرضة لأتمتة المهام مثل وظائف البرمجة، التصميم، وتحليل البيانات بدأت تشهد انخفاضًا كبيرًا في عروض التوظيف، فوفقًا لتحليل أجرته شركة "ماكينزي" تراجعت فرص العمل في هذه الوظائف بنسبة 38% مقارنة بانخفاض عام بنسبة 31% في جميع القطاعات.

ويرجع هذا التراجع إلى أن الشركات لم تعد بحاجة لنفس العدد من الموظفين لتنفيذ المهام اليومية، بعدما أصبحت أدوات الذكاء الاصطناعي قادرة على التلخيص، التحليل، وإنتاج المحتوى بجودة عالية وسرعة أكبر، وبتكلفة أقل.

الوظائف المبتدئة في خطر

أكثر الفئات تضررًا من هذا التحول كانت فئة الوظائف المبتدئة، التي تشمل فرص التدريب، الوظائف الإدارية البسيطة، والأدوار التي لا تتطلب شهادات جامعية، وهذه الوظائف التي كانت تمثل المدخل الأساسي لسوق العمل تراجعت بنسبة تقارب 30% منذ بداية انتشار الذكاء الاصطناعي بشكل واسع في نهاية 2022، حسب بيانات منصة Adzuna .

تغير في سلوك التوظيف

الملاحظ أن التراجع لا يقتصر على الوظائف التي يمكن استبدالها بالكامل، بل يمتد أيضًا إلى تلك المتعلقة ببناء أنظمة الذكاء الاصطناعي نفسها.

وأشارت بيانات من منصة "Indeed" إلى انخفاض في طلب التوظيف في مجالات مثل الرياضيات وتحليل البيانات، رغم أنها مهن يفترض أن تكون محورية في عصر الذكاء الاصطناعي، وهذا يعكس حالة من الحذر الاستراتيجي من جانب الشركات التي تفضل التريث حتى تتضح جدوى استثماراتها التقنية على المدى الطويل.

التحول نحو الجودة بدلًا من الكمية

الشركات لم تعد تركز فقط على ملء الوظائف، بل باتت تسعى إلى إعادة تشكيل فرق العمل لتكون أكثر كفاءة مدفوعة بالأمل في تحقيق مكاسب إنتاجية من الذكاء الاصطناعي، وهذا التوجه يدفع أصحاب الأعمال إلى التريث في التوظيف، خصوصًا في المجالات التي يتوقع أن تتأثر بشدة من التكنولوجيا خلال السنوات القليلة القادمة.

الشباب في مواجهة تحدٍ مزدوج

الشباب الباحثون عن فرص أولى في سوق العمل يجدون أنفسهم في مواجهة تحديين متوازيين: ما بعد جائحة كوفيد-19 من جهة، وتسارع استخدام الذكاء الاصطناعي من جهة أخرى، وهذا يفرض ضغوطًا كبيرة على الأجيال الجديدة التي تحاول تثبيت أقدامها في اقتصاد يتغير بوتيرة غير مسبوقة.

إلى أين تتجه الأمور؟

وعلى الرغم من التأثيرات السلبية الظاهرة لا يزال هناك نقاش مفتوح حول ما إذا كان الذكاء الاصطناعي سيخلق فرص عمل جديدة على المدى البعيد، تمامًا كما فعلت الثورات الصناعية السابقة.