في بعض الأحيان، يتحدى الإنسان الظروف ليكون مرناً، متصفاً بالسلام النفسي الداخلي، قادراً على أن يخلق بنفسه حياة آسرة متناغمة، قوامها المحبة والسعادة والوئام والسلام. وهي ليست ظروفاً استثنائية بقدر ما هي مواقف يومية قد يمر بها، وقد تُؤزِّم حياته، وتُغيّر من نفسيته، وتُلقي بظلالها الثقيلة على من حوله، لا سيّما أولئك الذين يتنفسون «المشكلات والتحديات الصادمة» في بيئات العمل، والتي قد تجعلهم أسرى لاضطرابات نفسية وانزعاجات حياتية مستمرة.

بيئة العمل هي المنطلق الحقيقي للإنسان في الحياة، لأنها «لقمة رزقه» ومصدر سكينته، فإن عاش فيها محبًا لعمله وللمحيطين به، استطاع أن يقضي بقية يومه بهناء. وما عدا ذلك، فقد يحمل معه همه أينما ذهب. ومن قال إنه لا يجب أن نحمل معنا هموم العمل، فقد ظلم نفسه، لأن الإنسان كيان من المشاعر، إما أن تزدان بالمحبة والرضا، أو تتحول إلى عبء نفسي يثقل كاهله.

لذا، نقول إن الأهم هو أن تعود إلى ذاتك، وتواجه كل ذلك، وتعيش سلاماً داخلياً مع نفسك، مبتعداً عن الضغوط المزعجة، واضعاً حداً لكل المهاترات، ومتذكراً أن تستمتع «بلحظتك» مع من تحب. وابحث بين ثنايا مهامك عن اللحظات السعيدة التي تُسعدك، وابتعد خطوات عن كل «الجوائح» التي تنهش من قوام نفسك المسالمة.

عندما أبحث بين سطور سجل الذكريات، أو أتفحص تلك الإصدارات والكتيبات الصغيرة والصور، تعود بي الذاكرة إلى مواقف جميلة ولحظات لا تُنسى. لحظات بنينا فيها الذكريات «بالمحبة»، وازدانت علاقاتنا بالدِّفء والقُرب والإخلاص والتقدير لكل شخص عملنا معه. لكل صورة أو إصدار قصة نجاح، بنيناه «بُحب». تعددت بيئات النجاح التي عشناها، وعشتها بصورة خاصة، ومع كل بيئة كان القاسم المشترك «المحبة»، ولا شيء غير المحبة. وكما يقولون: «صنعناها بُحب»، فلم نكن نلتفت إلى المثالب الصغيرة، وإن حدثت، اعتبرناها سحابة صيف عابرة لا تؤثر في مشروعنا، ولا تنال من محبتنا، لأن المحبة كانت أساس نجاحنا. وبدونها لا يمكننا التقدم قيد أنملة في دروب التميز.

تبادلنا المهام، وفتحنا الأبواب على مصراعيها لتتعدد الخبرات، وينتشر الأثر. وكان مبدأ «الثقة» هو أساس التعامل، لأنها نبعت من محبة خالصة، ومن إخلاص في العمل، وتراكم للخبرات، لقادة شقوا طريقهم وسط الصعاب، ووصلوا إلى مبتغاهم بأمان وهدوء.

قلت لصاحبي الذي يحب أن تزدان حياته بالمحبة: «اجعل لحظاتك مهمة، واسعد بها الآن قبل الغد، وتخلص مما يثقل قلبك، وأسدل الستار على أولئك الذين لا هم لهم إلا اختلاق المشكلات، يرون الزلة كأنها كارثة، ويحسبون اعوجاج المرآة دماراً، مع الأسف».

يا صاحبي، كنا في كثير من محطاتنا نُسمي منهجنا: «إنتاج الأثر الحقيقي»، فكانت النتائج مبهرة، لأننا أحسنا العمل، وتحركنا من منطلقات واضحة نحو نجاح الحياة.

يا صاحبي، اترك عنك كل ما يشوّش على مساحات المحبة والسعادة في حياتك، وتمسك بهدوئك وإرثك الحياتي، وحافظ على رسائلك التي جعلتها مشاريع حياة تنطلق بها نحو الخير، وحب العطاء، والأثر الجميل. حافظ على تلك الصورة التي علّقتها في زاويتك المفضلة، التي تحكي «موقفاً ازدان بالمحبة» مع تلك الشخصية الجميلة التي بادلتك الوفاء قلباً بقلب، بعد مشروع خالد وجميل، لاتزال الأجيال تتذكره، ولايزال أثره قائماً.

واحتفظ بذلك الكتيب الذي أصدرته، واجعله إرث خيرٍ في كل مكان، فهو فكرة بزغ نجمها من قلب طيب مُحب، شاركك الأجر، وظل مؤثراً في نفوس كل من اقتناه واستفاد منه. واعتنِ بذلك التوثيق الجميل لذكريات الأثر التي أشرفتَ عليها، فكلما تصفحت صفحاته، استرجعت المواقف الجميلة، وكأنك تعيشها الآن.

أمدّ يدي إليك يا صاحبي، وأتذكر معك المواقف التي ازدانت بالمحبة، وما أكثرها! وما أكثر الأوفياء الذين تعلقت بهم الأفئدة. وفي المقابل، تساقطت بعض الأقنعة الزائفة التي انتهى وقتها في حياتك، وحان الوقت ليتلألأ نجمك في آفاق جديدة تزدان بالمحبة.

تذكرت معك البارحة تلك الأمسيات الجميلة التي عشناها على ضفاف الخير، في أكثر من محطة، جُلنا فيها وتركنا أثراً طيباً بحمد الله. وقد تسامت نفوسنا حينها نحو المعالي، وقررنا أن نسير في الركب كأننا بدأنا من جديد في عهدٍ من الخير. فهذه سنة الله تعالى في خلقه؛ كل يومٍ يحمل حكاية جديدة، وأنفاساً متجددة، نترك في نهايتها أجمل الأثر، وأجمل المواقف التي ازدانت بالمحبة.

ولا نرضى أن تتشابه أيامنا، أو أن نستسلم لضعاف النفوس، أو لهوامش الحياة، أو للمعارك اليومية المتخاذلة، لأننا باختصار أصحاب رسالة، وأصحاب مبادئ، ونعتز بديننا الإسلامي، الذي جعلنا من خيار الأمم، وبنا يفاخر النبي صلى الله عليه وسلم. نمضي بثبات واقتدار، وننقش على صخور الحياة أن الحياة جميلة، نجملها بصنائع المعروف، وبقدرتنا على أن نكون فيها أثراً ملموساً، ورسائل خير في حياة البشرية جمعاء. ونوقن بأن المولى الكريم هو من بيده مقاليد الأمور وتيسيرها.

ومضة أمليا صاحبي، دعنا نعيش بالمحبة، ومن أجل المحبة، ونجعل رضا المولى الكريم مقياس معيشتنا، فبيننا وبين الحياة كلها «الله سبحانه وتعالى وحده».