خلال الحرب الجوية التي حصلت ما بين كلاً من أمريكا وإسرائيل مقابل إيران في يونيو الماضي تناقلت بعض المنصات الإيرانية عن تهديدات بإغلاق مضيق هرمز من قبل قائد البحرية في الحرس الثوري الإيراني العميد رضا تنكسيري حيث ذكر أنه سيتم إغلاقه خلال ساعات قليلة إلا أن المصادر الرسمية في إيران بعدها قد خرجت لتنفي هذه التصريحات المتناقلة، وبعدها بفترة خرج عضو لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني إسماعيل كوثري ليؤكد أن هناك إجراءات عسكرية متعلقة بمضيق هرمز قد اكتملت، إلا أن موضوع إغلاق المضيق قيد الدراسة، ولم يتخذ قرار بعد بهذا الشأن!
كما أكد كوثري أن إيران تقرر موعد فتح مضيق هرمز وإغلاقه، وأنها تدرس الوضع حالياً، ويمكنها التنفيذ متى دعت الحاجة الأمر الذي يعكس وجود تضارب وضبابية في الموقف الإيراني، ولعل هذا يرجح أن تصريح تنكسيري كان بمثابة بالونة اختبار لقياس الرد الأمريكي الإسرائيلي وقتها، وأن النظام الإيراني قد يستخدم ورقة مضيق هرمز في حال وجود تهديدات عسكرية والمؤشرات الحالية تعكس أن النظام الإيراني لديه خياران لا ثالث لهما إما الجلوس على طاولة المفاوضات الأمريكية الإيرانية أو اللعب بورقة مضيق هرمز، وإذا ما فعلتها إيران، وأغلقت مضيق هرمز، فإنها تحرك قطعة شطرنج إقليمية جديدة حيث من المحتمل هنا أن تكون هناك حرب إقليمية بحرية قادمة؛ مما يزيد من احتمالية التصادم الأمريكي الإيراني من جديد ولكن هذه المرة ليس جواً إنما بحراً!
حيث تحدثت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية في تصريحات سابقة عن استعدادات أمريكية للرد على أي سيناريو محتمل بشأن إغلاق مضيق هرمز من طرف طهران، ولا يستبعد خبراء أن تلجأ إيران إلى إغلاق المضيق في حال تهديد مصالحها حيث كشف الأمين العام لغرفة التجارة المشتركة بين إيران والعراق جهانبخش سنجابي أن إيران لن يكون أمامها خيار سوى إغلاق مضيق هرمز إذا تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية في حرب جديدة ومحتملة بين إيران وإسرائيل، كما أنه لوح بأهمية أن تحذر دول المنطقة من استخدام قواعدها العسكرية لشن هجمات ضد إيران! وهذا التصريح يحمل دلالة أن إيران لن تتوانى عن استخدام كافة الخيارات العسكرية المطروحة لها سواء جواً أو بحراً مع دول المنطقة التي تستضيف القواعد الأمريكية.
ما كشفته تصريحات المسؤولين الأمريكيين أن الجيش الإيراني قام خلال شهر يونيو الماضي بتحميل ألغام بحرية على سفن في الخليج العربي الأمر الذي أثار قلقاً أمريكيا تجاه إن كانت إيران تستعد لإغلاق مضيق هرمز فعلاً وبالطبع لو فعلتها إيران فإن المتورط بالدرجة الأولى ستكون دول المنطقة وتحديداً مملكة البحرين والكويت وقطر والعراق كدول مصدرة للنفط حيث لا يوجد لها بديل بحري أو بري آخر لتصدير النفط وإمدادات أنابيب النفط والغاز كذلك السفن النفطية البحرية التي تمر في مضيق هرمز، وتعتمد عليه في المرور والنقل فحسب إحصائيات عالمية حوالي 40 في المئة من الإنتاج العالمي من النفط يمر عبر مضيق هرمز. وفي تصريحات صحافية أرشيفية أوضح الخبير الاستراتيجي في مجال النفط جوليان لي أن ربع تجارة النفط العالمية تقريباً يمر عبر هذا الممر المائي الضيق عند مدخل الخليج، وإذا حالت إيران دون وصول الناقلات العملاقة التي تنقل النفط والغاز إلى الصين وأوروبا وغيرها من المناطق الرئيسية المستهلكة للطاقة إلى مياه الخليج، فإن ذلك سيؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط بشكل هائل وسريع، وربما زعزعة استقرار الاقتصاد العالمي والأمر هنا لا يتوقف عند ذلك فحسب، بل سيؤدي إلى كارثة ارتفاع جنوني لأسعار النفط؛ ومن ثم تضخم أسعار كل ما هو مرتبط بالنفط من غذاء ودواء وسلع وتضرر الأسواق العالمية والبورصة إنما ستكون الكارثة الأكبر ضرب الأمن البحري وتهديد السفن النفطية والحربية والشحن والنقل ذلك أن نظام إيران له سجل تاريخي حافل في مهاجمة السفن البحرية في مضيق هرمز سواء النفطية أو غيرها وتهديد حركة الملاحة البحرية التي تضر بالأمن البحري الدولي.
كما أن هناك تحليلات سياسية ترى أنه بإمكان إيران من جانب آخر تحريك جماعاتها من الحوثيين لإغلاق مضيق باب المندب وهو ما يرفع من المخاطر الأمنية عند دول المنطقة عند مضيق هرمز وباب المندب وبالطبع الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الوضع المتأزم والمتفاقم لن تسكت، وقد تستخدم هنا الخيار العسكري الأمر الذي ينذر بشرارة حرب بحرية بعد الحرب الجوية الماضية وهناك تقارير أمريكية تؤكد أن إيران تمتلك قدرات عالية السرعة في نشر الألغام البحرية إلى جانب قدراتها العالية في استخدام استراتيجيات حربية بحرية منها الغواصات والصواريخ الأمر الذي ستكون له انعكاساته الأمنية في مياه الخليج العربي ودول الخليج قطعاً.
الصدام الأمريكي الإيراني البحري لن يخدم أبداً دول المنطقة، وقد تنزلق المنطقة في صراع بحري نفطي لا تحمد عقباه وهنا قد تدخل في هذه المعادلة قوى إقليمية ودولية أخرى كالصين وروسيا وإسرائيل وبريطانيا لذا فإن نجاح المفاوضات الأمريكية الإيرانية مسألة ضرورية وحتمية في ظل كل هذه التحديات.