تُعدّ القدرة على القياس الركيزة الأساسية في الإدارة المدرسية الفعالة، ومن هذا المنطلق أُشير إلى ما أسميه «القاعدة الذهبية» في القيادة الإدارية؛ نظراً لما تحمله من أهمية في ضبط الأداء. تنص هذه القاعدة على «كل ما ليس له مقياس لا يقاس، ولا يمكن التحكم في إدارته، ولا ضبط جودته، ولا التنبؤ بمخاطره، ولا القدرة على تحسينه وتطويره».
في بيئة المدرسة لا يعد القياس ترفاً تنظيمياً أو إجراء شكلياً، بل هو أداة حيوية تضمن استدامة الجودة وتحقيق الأثر، فمن خلال القياس يمكننا تقييم أثر الخطط الاستراتيجية ورصد تطور أداء الطلبة وقياس فاعلية القيادة وتحديد مدى نجاح المبادرات والمشروعات فالتحسين لا يحدث صدفة، ولا يبنى على شعور أو انطباع، بل على قياس دقيق وتحليل منهجي مستمر.
التحصيل الدراسي على سبيل المثال لا يترك للتقدير العام، بل يُقاس عبر نتائج وتحليلات رقمية وكذلك فاعلية القيادة المدرسية تقاس من خلال مؤشرات تشغيلية دقيقة تترجم الأهداف إلى نتائج قابلة للرصد والتقييم.
- «كل ما ليس له مقياس لا يقاس»: هذه البداية التي تنبهنا بضرورة وجود أدوات مرجعية نقيس بها الأداء فلا يكفي أن نقول مستوى التعليم جيد ما لم نمتلك مؤشرات تدعم هذا الحكم، فكل هدف سواء يتعلق بجودة الدروس أو سلوك الطلبة أو كفاءة المعلمين يحتاج إلى أدوات قياس رقمية أو وصفية قابلة للتحليل.
- «ولا يمكن التحكم في إدارته»: الإدارة الناجحة ترتكز على قرارات مستندة إلى بيانات دقيقة فكيف لمدير المدرسة أن يدير أداء فريقه، أو يتابع تنفيذ خطته التشغيلية دون قياس مدى التقدم أو التراجع؟ القياس يمنح القدرة على التوجيه والتعديل.- «ولا ضبط جودته»: الجودة لا تضبط بالتوقعات، بل تضبط بالمواصفات والمعايير، فإذا لم نمتلك مقاييس لعمليات التعليم والتعلم أو لبرامج الدعم المقدمة، فلن نستطيع تحديد ما إذا كان الأداء يستوفي المطلوب، أو يحتاج إلى تحسين فالجودة لا تعني كثرة الجهد، وإنما فاعلية المخرج.- «ولا التنبؤ بمخاطره»: القيادة الواعية تقوم على استباق الأحداث وتوقع التحديات، ومن دون مقاييس لن تتمكن المدرسة من رصد التراجع قبل أن يتحول إلى أزمة وتحديد أسباب الضعف، أو من ملاحظة الفجوات قبل أن تتفاقم.- «ولا القدرة على تحسينه وتطويره»: لا يمكن تحسين ما لا يقاس فالتحسين المستمر جوهر القيادة المدرسية، وهو يبدأ دائماً من السؤال أين نحن الآن؟ والإجابة لا تأتي من الحدس، بل من مؤشرات أداء وتحليل بيانات وتحديد فجوات. تبدأ دورة التحسين من القياس ثم التحليل فالتخطيط فالتنفيذ ثم إعادة القياس، فإذا غاب القياس من البداية استحال التطوير؛ لأننا لا نملك خط أساس نقيس عليه التقدم، ولا نعرف حجم الفجوة بين الواقع والمأمول.
إن أحد أكبر التحديات التي تواجه المدارس هو الوقوع في فخ الإجراء دون أثر حيث تنفذ مبادرات وبرامج عديدة بلا مؤشرات تقيس مدى تحقق أهدافها وهو ما يؤدي إلى تضخم الجهد وضآلة النتائج. أما حين تبنى كل خطة على مؤشرات أداء رئيسية «KPIs» ومعايير جودة قابلة للقياس تصبح الإدارة أكثر رشداً والنتائج أكثر دقة والتطوير أكثر فاعلية.
في غياب القياس تتحول الخطط إلى أمنيات لا يمكن متابعتها أو تقييمها. أما بوجوده فنحن نملك أداة فعالة للمتابعة والتطوير المستمر.
الخلاصة أن هذه القاعدة الإدارية لا تحذر فقط من إهمال القياس، بل ترسم ملامح الإدارة المدرسية الناجحة إنها تذكرنا بأن القيادة الفعالة لا تقوم على الطموحات وحدها، بل تبنى على مؤشرات وأدلة وقرارات مستندة على أسس موضوعية لا على ظنون.. كل من يسعى إلى مدرسة متميزة عليه أن يبدأ من هنا... اجعل لكل ما تقوم به مقياساً؛ لأن ما لا يقاس.. لا يدار ولا يضبط ولا يطور.
* مستشار في جودة التمييز للاستشارات التعليمية