هل أدى القصف الإسرائيلي على غزة، والقصف المتبادل بين إيران وإسرائيل، والقصف الأمريكي للمنشآت النووية في إيران، والحرب بين روسيا وأوكرانيا إلى تسريع ظاهرة الاحتباس الحراري وجعل كوكبنا أكثر دفئاً؟

انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن هذه الحروب الأربعة تمثل حوالي 2% من غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو، مما قد يكون ساهم رفع درجة حرارة جو الأرض من 15.0 درجة مئوية إلى 15.3 درجة مئوية، وهذه الزيادة تعادل الحرارة المنبعثة من انفجار 2000 قنبلة ذرية!

تشير التقارير المتعلقة بالظروف المناخية تسجيل درجات حرارة أعلى بكثير من المتوسط حالياً على أجزاء كثيرة من أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية وشمال أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى؛ على سبيل المثال، سجلت الوكالة الوطنية للأرصاد الجوية (AEMET) درجة حرارة 46.0 درجة مئوية في أوائل يوليو 2025 في جنوب إسبانيا، مع درجات حرارة مشابهة تقريباً في البرتغال وإيطاليا واليونان. كما أفادت التقارير أن 40% من محطات الأرصاد الجوية في أوروبا قد سجّلت درجات حرارة تتجاوز 40 درجة مئوية. ومن المحتمل تسجيل درجات حرارة أعلى بعد أسبوع تقريباً بسبب موجة حارة من جرّاء ضغط جوي مرتفع شبه مداري على شبه الجزيرة العربية، مع تسجيل درجات حرارة تقترب من حاجز 50 درجة مئوية، بالتزامن مع أجواء جافة ورياح حارة تزيد من الإحساس بالحرارة، لذا فإن موجة الحر المرتقبة قد تشمل دولة الكويت، والمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، بما في ذلك الدمام والأحساء، وربما البحرين وقطر، وسط أجواء مرهقة في ساعات النهار.

وفي البحرين، سجّل شهر أبريل 2025 رقماً قياسياً منذ بدء التسجيلات في عام 1902، وبلغت أعلى درجة حرارة مسجّلة في يونيو 2025، في درة البحرين، 48.5 درجة مئوية (في 16 يونيو)، مسجّلةً رقماً قياسياً في تاريخ البحرين، كأعلى درجة حرارة مسجلة لشهر يونيو.

وعلى الرغم من أن العديد من العوامل تساهم في هذه السجلات المرتفعة لدرجات الحرارة، إلا أن هناك قلقاً كبيراً من أن القصف العسكري المكثف في غزة من قبل الإسرائيليين (منذ 7 أكتوبر 2023)، والحرب بين روسيا وأوكرانيا (منذ 24 فبراير 2022)، إلى جانب القصف الأمريكي المكثف للمنشآت النووية الإيرانية باستخدام 14 قنبلة خارقة للذخائر الضخمة (MOPs) - GBU-57 (يبلغ وزن كل منها 13 طناً تم إطلاقها بواسطة 145 طائرة عسكرية أمريكية إسرائيلية)، وتبادل القصف الصاروخي بين الاعتداء الإسرائيلي والرد الإيراني كان له مساهمة وتأثير؛ فالقصف الصاروخي المتبادل بين الطرفين لمدة 12 يوماً، انفجرت خلالها آلاف القنابل على الجانبين، وإطلاق حوالي 2300 صاروخ باليستي مما أدى إلى إطلاق الحرارة وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري (GHG) وبالتالي الاحتباس الحراري.

والسؤال هو: هل تساهم التفجيرات والانفجارات الناجمة عن هذه الصراعات العسكرية الأربعة في موجات الحر والاحتباس الحراري؟ للأسف، الإجابة هي نعم!

بداية، يجب أن نعرف أن ثاني أكسيد الكربون يتكون من تفجيرات القنابل نتيجة الاحتراق السريع (الأكسدة) للمركبات العضوية الغنية بالكربون الموجودة في المادة المتفجرة TNT، حيث تتفاعل هذه المركبات مع الأكسجين (الموجود داخل المتفجر أو في الهواء الجوي) لتكوين غازات مختلفة (النيتروجين، وأول أكسيد الكربون، وبخار الماء)، من بينها ثاني أكسيد الكربون، بالإضافة إلى إطلاق كمية هائلة من الطاقة نتيجة التفاعل السريع المفاجئ وانطلاق حرارة هائلة في زمن وجيز جداً.

تقدّر حساباتنا أن كمية مكافئ ثاني أكسيد الكربون المنبعثة من القنابل (التفاعلات الطاردة للحرارة أو المُطلقة للحرارة) من هذه الضربات العسكرية تبلغ حوالي مليار طن (109 أطنان)، بينما تبلغ الكمية الحالية المُبلّغ عنها من ثاني أكسيد الكربون في غلافنا الجوي (باستثناء الانبعاثات الناتجة عن الحرب) 53 مليار طن (10105.3X)، وهذا يعني أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن هذه الحروب الأربع تُمثّل 2% من غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو، مما يشير إلى أن درجة الحرارة العالمية قد ارتفعت بنسبة تقارب 2%، مما قد يكون ساهم رفع درجة حرارة جو الأرض من 15.0 درجة مئوية إلى 15.3 درجة مئوية، وهذه الزيادة (0.3 درجة مئوية) تعادل الحرارة المنبعثة من انفجار 2000 قنبلة ذرية، حيث إن زيادة درجة حرارة الأرض بمقدار 1 درجة مئوية تعادل الحرارة الصادرة من تفجير 100,000 قنبلة نووية.

في حين أن الانبعاثات الفورية من القصف الفردي قد تبدو ضئيلة مقارنةً بالانبعاثات العالمية، فإن التأثير التراكمي للصراعات المستمرة، إلى جانب الانبعاثات من الأنشطة العسكرية في جميع أنحاء العالم، يساهم في الارتفاع العام في درجات الحرارة العالمية ويفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري، وبالتالي تغيّر المناخ.

وللأسف، لا تُدرج الانبعاثات العسكرية في التقارير المناخية الوطنية السنوية أو التقارير الوطنية للمناخ الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ.

ووفقاً لبعض المصادر، يتطلّب رفع درجة حرارة الأرض بمقدار 1 درجة مئوية واحدة ما يقرب من 5 إكساجول (1018 5X جول) من الطاقة، وغالباً ما تُقارن هذه الكمية من الطاقة بالطاقة المنبعثة من قنابل ذرية متعددة.

وقد أشارت بعض التقارير بأن معدّل تراكم الحرارة الحالي للأرض يعادل طاقة تفجير 4 أو 5 قنابل ذرية من نوع هيروشيما كل ثانية، وبمعرفة أن قنبلة "الولد الصغير" (هيروشيما) تطلق ما يقارب 6.3x1013 جول وقنبلة "الرجل السمين" (ناجازاكي) تطلق ما يقارب 8.4x1013 جول، نستنتج أن زيادة درجة حرارة الأرض بمقدار 1 درجة مئوية تعادل الحرارة المنبعثة من انفجار 100 ألف قنبلة نووية.

الخلاصة

1. ساهمت صراعاتٌ مثل تلك الدائرة في غزة، والقصف المتبادل بين إسرائيل وإيران، والضربة الأمريكية على المنشآت النووية في إيران، والحرب بين روسيا وأوكرانيا، في ظاهرة الاحتباس الحراري بإطلاق كمياتٍ كبيرة من غازات الدفيئة، وخاصةً ثاني أكسيد الكربون، من جرّاء استخدام الوقود والمتفجرات. ومع جهود إعادة الإعمار الضخمة اللازمة بعد الدمار ستكون هناك انبعاثات أخرى مضاعفة، وتُعدّ هذه الانبعاثات كبيرةً مقارنةً بالانبعاثات السنوية للعديد من الدول.

2. لا تُسبب هذه الصراعات زيادةً ملحوظةً في درجة حرارة الغلاف الجوي العالمي بشكلٍ مباشر، وقد تكون الحرارة المُنطلقة موضعيةً ثم تتبدّد، ولكن بالتأكيد ينشأ التأثير على الاحتباس الحراري من انبعاثات غازات الدفيئة التراكمية بمرور الوقت، والتي تُساهم في اتجاه الاحترار العالمي الناجم عن الأنشطة البشرية في جميع أنحاء العالم.

3. يمتد التأثير المناخي الحقيقي للحرب إلى ما هو أبعد من الانبعاثات المباشرة، ليشمل التدهور البيئي، واستنزاف الموارد، وتحويل الانتباه والموارد عن العمل المناخي. ومع ذلك، من حيث الزيادة الفورية والمباشرة في درجة حرارة الغلاف الجوي، فإن التأثير يبقى ضئيلاً.

* أستاذ الفيزياء التطبيقية بجامعة الخليج العربي alnaserw@gmail.com