«هل هذا صالح للأكل؟ لقد جمعته من الأرض كي تطعم به أطفالها. ارحمونا ياناس! ارحموا أطفالنا. انظروا إلينا بعين الرحمة»، هذه الكلمات الممزوجة بالقهر، أطلقتها سيدة فلسطينية تأثرت لحال رفيقتها التي اضطرت لالتقاط بقايا الطعام من الأرض بعد نفاد ما في المطبخ المجتمعي بأحد مخيمات النازحين العشوائية في غزة.المشهد آنفاً شاهده الملايين حول العالم، والذي يعكس ما يعانيه قطاع غزة منذ 21 شهراً، والذي تحول إلى حرب تجويع يخوضها الاحتلال ضد ما كل هو بشري وآدمي في القطاع المحاصر والمدمر.الأرقام القادمة من القطاع، سواء أكانت أرقاماً رسمية أو دولية، تشير إلى أن حرب التجويع ضد سكان القطاع مستمرة دون أي رادع أخلاقي أو إنساني أو حتى قانوني، فيما يلوذ العالم أجمع بصمت مطبق لا يمكن تفسيره.الأمم المتحدة تقول في تقرير لها إن آخر سبل الحياة تنهار يوماً بعد يوم، ملايين المدنيين محتجزون في مساحة ضيقة، يصارعون الجوع والمرض والنزوح المتكرر، عدا عن القتل الممنهج للحياة، والذي لا يوفر حتى طالبي المساعدات فيما يعرف بـ«مصائد الموت»، حيث يعود الشباب جثثاً هامدة بدل أن يحملوا الغذاء لعائلاتهم.الاحتلال لا يستخدم القنابل فقط، بل يستخدم الجوع كسلاح؛ يغلق المعابر، يمنع دخول المساعدات، يطلق الرصاص على من يقترب من شاحنات الإغاثة، ثم يدعي أنه «يحاصر الإرهاب»..أي إرهاب هذا الذي يرتديه طفل بنصف حذاء؟أي تهديد يشكله رضيع يبحث عن حليب في صدور أمهات جائعات؟العالم الذي أدمن الشجب والبيانات، عاجز اليوم حتى عن ذلك، والمنظمات الدولية، الحكومات، القادة... الجميع يتفرج على انهيار مجتمع بأكمله، على موت بطيء وجماعي، على إبادة إنسانية تجري بالبث المباشر.السكوت اليوم لم يعد حياداً، بل تواطؤاً.وكل دقيقة صمت تضاف إلى عمر الحصار هي مشاركة فعلية في الخنق، وفي الألم وفي هذا العار الأخلاقي الذي سيسجله التاريخ يوماً، لا على الاحتلال وحده، بل علينا جميعاً.من هنا، نرفع الصوت عالياً؛ أين الضمير العالمي؟ أين الشرف الإنساني؟ أين أولئك الذين أقسموا يوماً أن «الإنسان أولاً»؟غزة لا تحتاج إلى خطاب سياسي أو زيارة تفقدية أمام الكاميرات، بل تحتاج إلى فعل عاجل وحازم وإلى ممرات إنسانية مفتوحة، إلى وقف فوري لإطلاق النار، إلى تحرك دولي لإنقاذ ما تبقى من الحياة، أو بالأصح من شبه الحياة.إضاءة«أي ذنب ارتكبته غزة، لتُحاصر حتى في رغيف الخبز؟ أي ضميرٍ هذا الذي يرى الوجع في ملامح الأطفال ولا يرتجف؟ أي قلبٍ هذا الذي يسمع صراخ الجوعى ولا ينكسر؟ غزة لا تطلب المستحيل... تطلب فقط الحياة!». «الصحفي الفلسطيني يوسف شرف».
هيفاء عدوان
Opinion
غزة لا تطلب إلا الحياة.. فقط!
23 يوليو 2025