سامح بدوي

الوعي التربوي في الإسلام ليس مجرد إدراك أو فهم أو استقبال للمثيرات عبر الحواس، ولا حتى مجرد يقظة تجاه قضايا معينة؛ بل هو أن تعي المجتمعات الإسلامية مقاصدها، وأن يدرك المسلم القيم والمضامين التربوية في الدين، ويؤمن بأن العقيدة هي المحرك لتنشئة جيل يفكر، ويبتكر، وينافس، ويبحث عن المعرفة لأجل المعرفة، ويناقش الفكر بالحجة، ويحاكي الآخر باليقظة والعلم، مع تأصيل الدين باعتباره منهجًا وعبادة. ذلك يُمكننا من فهم ثقافة الدين وواقعه في عصر ما بعد العولمة، ويوظف علومه في التعامل مع القضايا التربوية والأخلاقية الشائكة لدى الأبناء، ويجمع بين الدين والمعرفة والقيم، ويوازن بين الأصالة والتجديد، ويُدرك المسؤولية المجتمعية، ويُسهم في بناء أطر فكرية وفلسفية تضمن الفهم الصحيح للدين، القائم على الفكر التأملي، الذي يُمكّن المسلم من اتخاذ القرار والخيار التربوي الصحيح تجاه الأبناء، انطلاقًا من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، كقاعدة للتكوين المتكامل للمسلم، أساسه الأخلاق والفضيلة وصحيح الفكر والعقيدة.

فالوعي التربوي منهجٌ متكاملٌ يهدف إلى تحسين علاقة الفرد بذاته، وتصالحه معها، وتسامحه مع الغير، وإدارة الحياة الشخصية وفق تراث الدين والتربية الإيمانية الصحيحة، وهو يتجاوز حدود المعرفة إلى البناء والتكوين والربط بين العلم والعمل، وصناعة القيم ومكارم الأخلاق، وجعلها إطاراً مرجعياً للمجتمع المسلم، ووسيلة لإرساء الفضائل، وصناعة جيل قوي متمسك بأخلاقياته ومعارفه وفضائله الربانية السمحة، لتكوين شخصية مسلمة متكاملة.

الوعي التربوي لا يملكه فقط الفقهاء أو الوعّاظ أو علماء الدين؛ بل هو يقين راسخ في عقل الأسرة ومؤسسات المجتمع المسلم، التي تمثل اللبنة الأولى في صناعته ونقله إلى الأبناء، وتُترجمه إلى سلوكيات تُكسبها للأطفال والشباب، لتُسهم بذلك في بناء شخصية مسلمة قوية، تمتلك اتجاهات وقيماً وسلوكيات تتوافق مع صحيح العقيدة التربوية الإسلامية.