«والله ما ودي أترككم...».بهذه العبارة الودودة، التي تسكن القلب قبل السطر، ودّع جلالة الملك المعظم شباب البحرين المشاركين في مدينة الشباب 2025، بعد أن شرّف المدينة بزيارة خاصة في يوم الخميس، مشى فيها بين قاعاتها، وتجوّل بين طموحاتها، وشهد عن قرب الأحلام التي لا تصدها الجدران.دخل جلالته كما يدخل الأب على أبنائه، بلا حواجز ولا بروتكولات أمنية ورسمية تفصل القائد عن شعبه، لم يُمنع طفل من الاقتراب، ولم يُردّ شاب من السلام، ولم تُفوت فرصة التقاط صورة واحدة، كانت لحظة نادرة، تُروى لا لتُكتب فقط، ولعل الأجمل أن الشباب أنفسهم هم من وثّقوها، بصوتهم، بكاميراتهم، وبهتاف قلوبهم.كان مروره جولة قلبية على تفاصيل تعبّر عن أحلام هذا الجيل، وقف أمام كل ركن، اطلع على مشاريع المشاركين، سأل عن الصور، وعن القصص خلفها، وأصغى بشغف إلى إنجازات كل شاب وطفل، يمنح كل واحد منهم لحظة من وقته الثمين، ويُشعرهم بقيمتهم في عين الوطن.كلماته كانت وساماً لمن سمعها، وملامحه المشرقة كافية لزرع الفخر في قلوبهم، لم تكن كلمات جلالته مجرد مجاملة، كانت تشجيعاً نابعاً من ملك لديه قناعة بأن شباب البحرين هم طاقة الغد، وسرّ استقراره وازدهاره، مضى بينهم كما لو كان يعرفهم واحداً واحداً، يُصافحهم بعين ترى فيهم مشروعات ناضجة، ومواهب تحتاج فقط إلى من يراها.زيارة جلالة الملك المعظم لمدينة الشباب ليست وليدة الصدفة، فهي تتويج لرحلة استمرت 14 عاماً صاغها فريق المدينة بإخلاص سنوات، فبعد إعلان سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة عن «ضيف كبير» سيزور المدينة يوم الخميس، بدأ العد التنازلي لحدثٍ سيبقى في ذاكرة كل من حضر، وها هو الحلم يتحقق.. بعد 14 عاماً من العمل الدؤوب، من البرامج المتعاقبة، من الرؤية التي بدأت بفكرة، وكبرت على أيدي رجال آمنوا بالشباب، وكرّسوا وقتهم لإيجاد مساحة حقيقية تُنمي المواهب وتُعيد تعريف العطلة الصيفية، أمثال الأخ العزيز عبدالكريم المير، وخالد الجناحي، ومساعد سلمان، ومن معهم من فريق لا أستطيع أن أذكر أسماءهم كلهم هنا، لكن تُذكر بصماتهم، ولمساتهم وإخلاصهم في خدمة شباب البحرين.أما أنا، فأقف على الضفة الأخرى من الحلم، أُشارككم مشاعر الغبطة والاعتزاز، كنتُ حاضراً طيلة الأسبوع الأول، من التاسعة صباحاً حتى المساء، أقدّم ورشتيّ وأتمشى في أروقة المدينة في «البريك»، أعيش التجربة كواحد منهم، انتهيت من تقديم البرنامجين قبل الموعد الملكي، وغادرت المدينة دون أن أدرك أن «الخميس» سيشهد لحظة استثنائية ستبقى في ذاكرة كل من عاشها.أغبط أولئك الذين حظوا بشرف السلام على جلالته، وأشعر بالفخر لهم، فقد كانت لحظة لا تُشترى ولا تُعوض، لكن ما أسعدني حقاً هو رؤية الفرح في وجوه أصدقائي القائمين على المدينة، أولئك الذين عملوا بصمت لسنوات، وها هو تعبهم يزهر أمام عيونهم.فرحتُ لفرحتهم، وازددت فخراً واعتزازاً بهم، لأن ما صنعوه في هذه المدينة يتجاوز كونه مجرد برنامج صيفي عابر، ولكنه مشروع وطني شبابي مستدام يُبنى على الأمل، ويُدار بالشغف، ويُثمر بالثقة الملكية.
محمد ناصر لوري
Opinion
يوم لا يشبه غيره.. في مدينة «أبعد من الأحلام»
26 يوليو 2025