في كل مرة أزور فيها مبنى غرفة تجارة وصناعة البحرين، أشعر أنني لا أدخل مؤسسة اقتصادية وطنية عريقة؛ بل بوابة لذاكرة وطن، تنبض بتاريخ طويل من الشراكة بين الدولة وتجارها، وبين البحرين وقلوب أبنائها.منذ أن بدأت مشواري الإعلامي، كنت دائماً أجد في أخبار الغرفة ومبادراتها مادة ثرية للكتابة، لأن خلف كل قرار اقتصادي حكاية إنسان ومصلحة تاجر وأمل شاب يسعى لتأسيس مشروعه الأول، وقد زاد اقترابي منها مع الوقت، خصوصاً حين كنت أغطي فعالياتها وندواتها وأنشطتها، التي تلامس واقع البحرين الاقتصادي، وكنت أحد الشهود على كيفية تحوّل الأرقام إلى حياة.يقول المؤرخون الاقتصاديون إن النفط كان نقطة التحول الجوهرية في ملامح الدولة الحديثة في البحرين، وأزيد على ذلك بتواضع أن الغرفة هي من رسّخت الروح الاقتصادية للدولة.حكاية تأسيس الغرفة طويلة وممتدة لأكثر من ثمانية عقود، حيث انطلقت بوادر فكرتها الأولى في العام 1939، عندما اجتمعت العزائم على تأسيس أول غرفة في الخليج، فقد كانت البحرين تسبق الجميع، وهذا السَبْق لم يكن صدفة، بل انعكاساً لحيوية التاجر البحريني ورؤية الدولة، والتي أدركت مبكراً أن لا تنمية بلا اقتصاد، ولا اقتصاد بلا مؤسسات.ثمانية عقود من العمل؛ شهدت فيها الغرفة صدمات الأسواق وأزماته وتقلباته، وتعاملات مع ظروف صعبة محلياً وإقليمياً وعالمياً، لكنها كانت دائماً صلبة، كأنها جزء من صخور هذه الأرض.وخلال سنوات ماضية، ومن خلال عملي الإعلامي تابعت عن قرب كيف احتضنت الغرفة رواد الأعمال، وكيف صمّمت برامجها لتخدم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وأعادت ثقة التجار في السوق، وواجهت تحديات العولمة بصوت وطني.ولا يمكن الحديث عن الغرفة دون التوقف عند دورها الريادي في رسم ملامح الاقتصاد الحديث، لقد كانت صلة وصل بين الحكومة والقطاع الخاص، ومحركاً أساسياً في مبادرات الإصلاح الاقتصادي، خاصة في ظل الرؤية الاقتصادية 2030 التي تبنتها الغرفة بروح تنفيذية، حيث سعت لتكون صوتاً مهنياً صادقاً، وذراعاً تنفيذية تتعامل مع التحديات بمرونة واحتراف.ولأنني إعلامية؛ أقدّر أهمية المؤسسات التي لا تكتفي بالبيانات الرسمية، بل تنفتح على المجتمع، وتخاطب الرأي العام بلغة مفهومة وهنا أذكر كيف كانت الغرفة سبّاقة في تطوير أدوات تَواصلها، وفتح أبوابها للإعلام والباحثين، إيماناً منها بأن الاقتصاد ليس شأناً نخبوياً فقط.اليوم، وفي ذكرى تأسيسها، نحتفي بماضٍ عريق ونراهن على مستقبل تتصدره الغرفة، كما كانت دوماً، مستقبل تدار فيه التنمية بالشراكة مع القطاع الخاص، ويكون فيه التاجر شريكاً ورائد الأعمال مؤثراً.إضاءة«مارست الغرفة، وحتى عندما كانت في مراحل تأسيسها الجنينية، بمسؤولية عالية وجدارة غير مسبوقة، دور الممثل الرئيس للقطاع الخاص البحريني، والصوت المعبّر عن طموحاته». «سمير عبدالله ناس».