في بقعةٍ مباركةٍ من الأرض، تقع «غزّة الأبيّة»، حيث الأرواحُ محاصَرةٌ بعزلةٍ قاتلة. هناك يفتقر الإنسان إلى أبسط مقوّمات الحياة، وسط قصفٍ ودمارٍ وشتات، يبحثون عن ملاذٍ آمن، فلا يجدون سوى الموت يُطوّقهم من كل جانب. في غزّة يموت الإنسان ألف مرّة قبل أن يموت فعلياً.مشاهد تقطع القلب...أطفال، ونساء، وشيوخ يتساقطون تباعاً ضحايا للجوع والعطش. لا رغيفَ خبزٍ يسدّ رمقاً، ولا قطرة ماءٍ تروي ظمأ، حتى تحوّلت الأجساد إلى ظلالٍ منهكة، تتنفّس الألم وتصارع للبقاء تحت نار القصف والحرمان.أطنانٌ من المساعدات الإغاثية تقف عاجزةً عند الحدود، فيما الأطفال يحتضرون جوعاً. حتى خفتت أنوارهم، وذبلت وجوههم، ونحلت أجسادهم حتى لم يبقَ منها إلا العظام. تحوّلت أنفاسهم العذبة إلى زفراتِ موت، وأعينهم شاخصة إلى السماء، وقلوبهم تستصرخ بصمت وكأنهم ينادون : «أين أنتم عنّا؟ ألَسنا أطفالاً كأطفالكم؟ ألا نستحق الحياة؟» نعم، لقد أصبحنا نخجل من الأكل والشرب، وهناك من يرتقي جائعاً... فـلا ينبغي أن يُصبح جوعُ غزة خبراً عابراً نتأثّر به لحظة، ثم تلهينا الحياة عنهم.في غزّة، لا يبكي الطفل كغيره.. بل يُولد باكياً من الجوع والخوف، ويتحوّل إلى رجلٍ قبل أوانه. ورغم الجراح، وفقد الوالدين والأحبة، وتبدّد أحلامهم وطفولتهم، فإنهم ما زالوا من أجمل أطفال العالم بصبرهم، وإيمانهم، وضياء قلوبهم وبراءتهم. يعلّموننا دروساً في العزّة والثبات. نراهم من خلف الشاشات يقفون بثباتٍ مذهل، وكأنهم يهمسون: «نحن أحياء... رغم الموت. إنها طفولةٌ مسلوبة، ورجولةٌ مبكّرة ، ومن بين الركام وفي خيام النزوح، تراهم يحفظون كتاب الله، ويطلبون العلم ، أحلامهم متواضعة: كتابٌ وقلم وكراسة وألوان وحقيبة مدرسة وهدوء بلا قصف. يريدون فقط حياةً تليق بإنسانيّتهم، تحفظ لهم حقوقهم، وتمنحهم لحظة أمان.وهنا، من بعيد، نتساءل: ما دورنا؟ والجواب: أن نذكرهم في دعائنا، ونتصدّق بنيّة رفع البلاء عنهم ، ونشارك قصصهم، ونترجم المشهد، ونغرس في أطفالنا الشعور بالمسؤولية تجاه إخوتهم في غزة، وأن ما نقدّمه لهم، وإن قلّ، (واجبٌ لا فضل). قال رسول الله (ص): «مثلُ المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى».ووسط هذا الابتلاء، تظلّ غزة شامخة، تضيء للعالم دروب الثبات والإيمان، وتعلّمنا كيف يولد الأمل من بين الأنقاض، فهم يؤمنون بأن الطريق، وإن طال إلى الجنّة.اللهم نسألك لأهل غزّة فرجاً عاجلاً يعجب منه أهل السماوات والأرض.، اللهم أغثهم، واسقِهم من ظمأ ، وأطعمهم من جوع، وآمِنهم من خوف.، وتولّهم برحمتك يا أرحم الراحمين. «اللهم إنا نستودعك أطفال غزة وشعبها، فاحفظهم يا من لا تضيع عندك الودائع».