«كانت الفرضية الأساسية في هذا الكتاب هي أن التركيز على اللاعبين الإقليميين في الخليج في الأعوام 1968- 1971، يقدم تفسيراً أفضل عن هذه المرحلة عن ذاك الذي نحصل عليه عبر تناول الخليج من منظار سيطرة قوة خارجية عليه، أو من منظار التنافس معها. حيث يقودنا ميزان القوى المحلي بطبيعة الحال إلى التركيز على الدور الإيراني في المرحلة الانتقالية بين سيطرة الإمبراطورية واستقلال المنطقة الذاتي» كانت هذه الفقرة هي الأولى في خاتمة كتاب «إيران والسعودية والخليج.. سياسة القوة في مرحلة انتقالية.. 1968-1971» للأمير فيصل بن سلمان آل سعود.ومن تلك الفقرة نبدأ حديثنا عن إعادة كتابة التاريخ من مناظير جديدة لحدث دون تغير وقائعه إنما كما قال الكاتب «للبحث عن تفسير أفضل».وبالنسبة لمنطقتنا الخليجية ودولنا الخليجية بشكل عام وبحريننا بشكل خاص، تاريخنا كتبه العديد من اللاعبين كل من منظوره الخاص ونادراً جداً ما تمكن اللاعبون أنفسهم من رواية ذات الحدث من ذات المنظور!! «هذا الكلام ينطبق حتى على أحداثنا المعاصرة واليومية التي نعايشها الآن».الكتاب الذي دفعنا لكتابة هذه المقال يبحث في حدث معروف للجميع وهو الانسحاب البريطاني من الخليج بعد انتهاء المعاهدات البريطانية مع دول الخليج عام 1971م، إنما يرويه الكاتب من زاوية جديدة، يرويه كيف ما كانت دول الخليج تراه، أو كيف ما كانت إيران تراه، لا كيف ما روته بريطانيا كقوة منسحبة أو أمريكا كقوة دخلت بديلة فيما بعد، بل يناقش إشكالية الفراغ الأمني الذي سيتركه الانسحاب البريطاني من منظور دول الإقليم.كتابة الأحداث من عدة رؤى ومنظور نافعة جداً توسع مدارك الإنسان، فيرى الحدث بعدة أبعاد وزوايا تمكنه لمزيد من الفهم والتعلم، وتفتح لك أبواب الـ(لو) التي هي الدروس المستقاة من تلك الأحداث.ماذا لو ترك الأمر فعلاً للاعبين الإقليميين في الخليج العربي من بعد الانسحاب البريطاني أن يكملوا عملية التفاهم فيما بينهم، دون أن تحاول أي دولة أجنبية ملء الفراغ الأمني بدل الدولة الأجنبية السابقة التي ستنسحب؟ماذا لو تم تهيئة اللاعبين وحل النزاعات التي كانت ستسهل عملية التفاهم بينهم من بعد الانسحاب؟ماذا لو تركوا الشاه، ولم يسقطوه ويستبدلوه بالنظام الإيراني الحالي؟ ستجد من سياق الكتاب أن هناك تفاهمات كثيرة تمت بين الشاه وبين ملوك المملكة العربية السعودية، وكان بإمكانها أن تؤسس لمنظومة أمنية إقليمية جديدة، بالرغم من تفاوت ميزان القوة حين ذاك لصالح إيران، لكن السعودية كانت تعوض ذلك الفارق بمكانتها وثقلها العربي والإسلامي؟الكاتب تناول الوثائق القديمة، وأضاف لها وثائق جديدة، ونقل ما تمكن من الحصول عليه من الرؤية الإيرانية عن تلك الفترة، والتي لم تصلنا حينها، ولم نر المشهد بتلك الأبعاد الإقليمية، فكل ما نتذكره هو ما كتبته الصحافة البريطانية أو الأمريكية عن عملية انسحاب القوات البريطانية وما صاحبها من تردد إلى اللحظات الأخيرة حتى حسم الأمر.إنما هذه القراءة الجديدة للمشهد تجعلك تدرك أن الأمور كانت ستأخذ مساراً مختلفاً من وجهة نظر اللاعبين الإقليميين لو نجحوا في مزيد من التقارب والتفاهم لملء الفراغ.والأهم أن هذا الكتاب يجعلك تتساءل هل بإمكان اللاعبين الحاليين خاصة إيران أن تستوعب الدرس، وتعيد حساباتها بناء على جميع المستجدات التي حدثت فتقرأ التاريخ من جديد وتقرأ المعاصر من جديد إن كانت تبحث عن أمن الإقليم وأمن الخليج؟الكتاب لم يغير الحدث إنما غير زاوية الرؤيا فقط، ترى كم من حدث تاريخي يحتاج منا لإعادة قراءته بمنظور آخر ومختلف دون تغير الوقائع إنما سرده من جديد؟
s.alshaeer@gmail.com
Opinion
إعادة الكتابة.. تزوير للتاريخ؟
30 يوليو 2025