د. توفيق السباعي


لطالما شكّلت فئة الشباب في مملكة البحرين محوراً أساسيّاً في مشاريع التنمية الوطنيّة، ليس بوصفهم مجرّد مستفيدين من الخطط والمبادرات؛ بل شركاء فاعلين في رسم مسارها وتحقيق طموحاتها. ففي ظلّ الرعاية الملكيّة السامية لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البلاد المعظم حفظه اللّه ورعاه، والدعم المتواصل من صاحب السموّ الملكيّ الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، وليّ العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه اللّه، تتجسّد الرؤية الوطنيّة الّتي تضع الشباب في مقدّمة أولويّات العمل الوطنيّ، وتترجم إلى سياسات ومبادرات تمكّنهم من صناعة الحاضر وقيادة المستقبل.

ويتجلّى هذا التوجّه بصورة عمليّة من خلال الجهود النوعيّة الّتي يبذلها سموّ الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، ممثّل جلالة الملك للأعمال الإنسانيّة وشؤون الشباب، رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة، حيث قاد سلسلة من المبادرات الملهمة الّتي وضعت الشباب البحرينيّ على مسار التمكين الحقيقيّ، معرفيّاً وقياديّاً ومهنيّاً. كما أسهم سموّ الشيخ خالد بن حمد آل خليفة، النائب الأوّل لرئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة، رئيس الهيئة العامّة للرياضة، رئيس اللجنة الأولمبيّة البحرينيّة، بدور محوريّ في دعم الحركتين الشبابيّة والرياضيّة، بما يعزّز من بيئة الإبداع الوطنيّ، ويرسّخ أسس التميّز والمنافسة.

أحدث تجلّيات هذا التوجّه الوطنيّ تمثّلت في تدشين هيئة التميّز الأكاديميّ، الّتي جاءت كمنصّة استراتيجيّة تحتضن النخبة من العقول البحرينيّة المتفوّقة أكاديميّاً، بهدف تسخير قدراتها في مجالات البحث العلميّ والابتكار والريادة. هذه الهيئة لا تمثّل فقط مبادرة جديدة، بل تجسّد رؤية متكاملة تقوم على توظيف التميّز العلميّ في صناعة أثر مستدام، يعزّز من تنافسيّة المملكة إقليميّاً ودوليّاً، ويتناغم مع توجّهات الحكومة برئاسة صاحب السموّ الملكيّ وليّ العهد رئيس مجلس الوزراء في جعل الشباب أولويّة في السياسات الحكوميّة.

ويتزامن هذا المشروع مع إطلاق مبادرة "داعم الشباب" من قبل وزارة شؤون الشباب، وهي مبادرة مبتكرة تهدف إلى تعزيز التمكين المؤسّسيّ للطاقات الوطنيّة الشبابيّة، من خلال تصنيف واعٍ للمؤسّسات وفق معايير واضحة تشمل التوظيف والتدريب والمشاركة في صنع القرار. هذه الخطوة لا تعزّز فقط الشراكة بين القطاعين العامّ والخاصّ؛ بل تضع مسؤوليّة دعم الشباب في قلب الأداء المؤسّسيّ، وترتقي بمستوى الالتزام المجتمعيّ تجاه الاستثمار في الكفاءات البحرينيّة الشابّة.

أمّا مدينة شباب 2030، فقد أصبحت مختبراً وطنيّاً يصقل فيه الإبداع، وتبنى فيه القدرات، وتطلق منه الطموحات. وقد أكّدت الزيارة الملكيّة التاريخيّة لجلالة الملك المعظم أيّده اللّه لهذه المدينة، وما حملته من رسائل دعم وتقدير، عمق الاهتمام الملكيّ بالشباب، وثقة القيادة في قدرتهم على صناعة الفارق في مسيرة الوطن. هذه الرعاية الملكيّة المباركة تلهم شباب البحرين، وترسّخ فيهم روح الانتماء، وتؤكّد بأنّ القيادة لا تكتفي بوضع السياسات، بل تلتقي بالشباب، تستمع إليهم، وتشجّعهم على الإبداع والعطاء.

وليس من قبيل المصادفة أن تتوالى النجاحات في هذه المدينة، إذ تحتضن أكثر من 5,500 فرصة تدريبيّة متنوّعة، وتغطّي مجالات متعدّدة من الإعلام والتكنولوجيا إلى الرياضة والقيادة وريادة الأعمال. إنّها تجربة متكاملة تسهم في تهيئة جيل جديد من القادة المؤهّلين الّذين يجمعون بين المهارة، والمعرفة، والانتماء الوطنيّ العميق.

إنّ ما نشهده اليوم من زخم في المبادرات والبرامج الموجّهة للشباب؛ هو انعكاس واضح لسياسة دولة تنظر إلى الشباب باعتبارهم قلب التنمية ووقود المستقبل. إنّه توجّه لا يقاس فقط بعدد المبادرات، بل بجودة الأثر، وشموليّة الرؤية، وعمق الالتزام. فالشباب البحرينيّ اليوم، في ظلّ هذه الرؤية، لم يعد ينتظر الفرص، بل يصنعها، ويقودها، ويطوّرها، في وطن يؤمن به ويستثمر فيه.