تنفيذاً لتوجيهات سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، أعلنت وزارة الداخلية قبل أيام عن اتخاذ إجراءات قانونية صارمة لتشديد العقوبات على المخالفات المرورية والحوادث التي تؤدي إلى إصابات بليغة أو وفيات، وذلك في ظل تزايد الحوادث والمخالفات بصورة مقلقة في الفترة الأخيرة.
ففي الأشهر الستة الأولى من عام 2025 وحدها، تم تسجيل أكثر من 2300 قضية مرورية، بعضها كانت نتائجه مأساوية، وأسفرت عن فقدان أرواح وإصابات جسيمة، كما كشف رئيس نيابة المرور، المحامي العام المستشار الشيخ نايف بن عبدالرحمن آل خليفة، خلال حديثه لصحيفة «الوطن».
من يتجول في شوارع المملكة يلحظ تكرار نفس المخالفات: استخدام الهاتف أثناء القيادة، والتجاوز الخاطئ، والاستعراض بالمركبات في الشوارع العامة. هذه المخالفات، التي ترصدها الدوريات المدنية المنتشرة في مناطق مختلفة، أصبحت جزءاً من مشهد يومي خطير لا يخلو من التهور.
في أحد الحوادث، أدى تجاوز سائق مستعجل وكأن «الدنيا بتطير» – كما يصف العامة – إلى حادث بليغ. وفي مشهد آخر، اتخذ سائقاً متهوراً مسار الطوارئ طريقاً مختصراً، لينتهي الأمر بوفاة إنسان بريء كان في المكان الخطأ والوقت الخطأ..
المقلق أن هذه التصرفات لم تعد محصورة في الحالات النادرة، بل باتت سلوكاً معتاداً لدى البعض ممن يعتقد أن مخالفة بقيمة 20 ديناراً ليست نهاية العالم، وأنها إن لم تُرصد، فهي لم تحدث أصلاً.
وتكمن الخطورة في هذا الاعتقاد السائد بأن عدم الضبط يعني الإفلات، ما يغذي ثقافة التكرار والاستهتار.
مشاهد كثيرة تعكس هذه الذهنية: سائق يضغط المكابح عمداً أمام سيارة أخرى في طريق سريع، وآخر يسير عكس السير دون اكتراث، وغيرهم ممن يرون الطريق ساحة للاستفزاز أو "التفريغ النفسي”، دون اعتبار لحياة الآخرين.
تشديد العقوبات خطوة محورية وضرورية، لكن الردع الحقيقي يحتاج أيضاً إلى تفعيل أوسع للرصد، خصوصاً في الشوارع الداخلية والأحياء التي يظن البعض أنها "خارج الرقابة”. فالكثير من التصرفات تبدأ صغيرة: تجاوز في حي، أو التفاف خاطئ في دوار، ثم تتحول لاحقاً إلى كارثة على شارع سريع أو تقاطع مزدحم.
الكاميرات، والدوريات، والمتابعة الفورية، ليست فقط أدوات رقابية، بل رسائل بأن هيبة القانون لم تعد اختيارية، وأن الشارع العام ليس ساحة لتجارب شخصية أو تصفية حسابات على حساب الأرواح.
المطلوب اليوم ليس فقط تعديل القوانين، بل إعادة ترسيخ مفهوم المسؤولية لدى السائقين.
فمن لم يشهد حادثاً، فقد سمع بقصص فقد فيها الناس أحبّتهم بسبب تهور غيرهم. والسكوت على المخالفات البسيطة هو ما يُنتج الكوارث الكبيرة.
نعم، الرادع القانوني مهم، لكن الأهم أن نوقن جميعاً أن كل مخالفة – مهما بدت بسيطة – تحمل في طياتها احتمالاً لدمعة، أو فقد، أو مأساة لن تُنسى.